معركة انتخابية شرسة تنتظر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، الذي أعلن اعتزامه خوض المنافسة علي ولاية رئاسية ثانية في انتخابات الرئاسة الفرنسية 2022 ، والمقرر انطلاقها إبريل المقبل، أمام عدد من المرشحين يمثلون تيارات سياسية ما بين اشتراكيين ويمين ويمين متطرف ، وسط منافسة بين برامج انتخابية تضع الاقتصاد واحتواء آثار التضخم عالميا ضمن طياتها، ولا تغيب عنها بطبيعة الحال، الحرب الأوكرانية التي ألقت بغيوم كثيرة علي مستقبل الاقتصاد العالمى في أقل من شهر، لتضع فرنسا والقارة الأوروبية بأكملها أمام اختبار صعب لتوفير بدائل للوقود الروسي، ووقف حالة الانهيار التي طالت مؤشرات الاقتصاد.
وبالتزامن مع الجولات المكوكية والاتصالات المتتالية التي عقدها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بين أطراف الأزمة الأوكرانية وبمقدمتهم الرئيس الأمريكي جو بايدن ، والروسي فلادمير بوتين والأوكراني فلودمير زيلنيسكي ، كان المنافسين في الانتخابات الفرنسية علي موعد مع اختبارات صعبة لتحديد مواقفهم أمام الرأى العام الفرنسي من أطراف تلك الأزمة.
ماكرون يجني ثمار المبادرات
ويبدوا أن الرئيس الفرنسي ، جني ثمار تحركاتها الإقليمية والدولية منذ اندلاع الحرب 24 فبراير الماضي، فبحلول الثامن من مارس الجاري ، ارتفعت شعبية ماكرون وفق استطلاع أجراه معهد إلاب بواقع 8.5% مقارنة بالأسبوع الذى سبقه، كما حصل على تأييد 33.5% من نوايا التصويت، مقابل 25% فى الأسبوع السابق أيضا.
وأشار المحللون إلى أن ماكرون الذى كان يواجه انتقادات حادة من المعارضة، قد استفاد بشكل أو بآخر من الأزمة الأوكرانية، خاصة وأنه يقوم بجهود وساطة فى محاولة لتهدئة الوضع. كما أن الفرنسيين يتجهون لمساندة الدولة فى الأزمات. وفى الوقت نفسه، فإن مساحة الاهتمام التى كانت تحظى بها سباق الانتخابات الرئاسية تراجعت لتشاركها معها تطورات الحرب فى أوكرانيا.
في المقابل، تراجع منافسه إريك زمور، اليمينى المتطرف أيضا وظل فى المركز الثالث، فيما ظلت مرشحة الجبهة الوطنية مارين لوبان فى المركز الثانى بنسبة 15%، لكنها قد فقدت نقطتين، وفقا لما ذكرت شبكة سكاى نيوز.
وأجبر التحرك العسكري الروسي الروسي لأوكرانيا مرشحين للانتخابات الرئاسية الفرنسية على غرار اليساريين جان لوك ميلنشون وفابيان روسيل واليمينيين المتطرفين مارين لوبان وإيريك زمور على تعديل مواقفهم من روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين.
أنصار بوتين يرجعون إلى الخلف
وبدأ مرشحون من أقصى اليمين واليسار للانتخابات الرئاسية الفرنسية في تعديل مواقفهم من روسيا بعد الحرب الأوكرانية، فوقبل الهجوم الروسي، كان المرشحون مارين لوبان وإيريك زمور وجان لوك ميلنشون وفابيان روسيل مصرين على مواقفهم المتمثلة في رفض الوقوف خلف الولايات المتحدة والخروج السريع من قيادة حلف شمال الأطلسي. ولكن العملية الروسية في أوكرانيا أربكت ـ بحسب تقرير نشرته شبكة فرنسا 24 ـ المواقف التي كانت ثابتة لهؤلاء المرشحين للوصول لقصر الإليزيه. فقبل أسابيع من الاستحقاق الرئاسي، يحاول هؤلاء المرشحون اليمينيون واليساريون - من الذين كانوا يريدون ربط علاقات جيدة مع روسيا - تغيير موقفهم من موسكو في منعرج محفوف بالمخاطر.
وأُجبر حزب "فرنسا الأبية" بقيادة جان لوك ميلنشون -الذي اتخذ في بداية الحملة موقفا مساندا لبوتين- فى 25 فبراير على إدانة هجوم روسيا على أوكرانيا، وقال رئيس الحزب إن "روسيا اعتدت على أوكرانيا فى استعراض للقوة لا حدود له" مضيفا "روسيا أحدثت خطرا محدقا لاندلاع نزاع شامل يهدد البشرية بأسرها".
إلا أن ذلك لم يكن موقف ميلنشون -الذي ساند سابقا التدخل الروسي بسوريا في 2015- فى تصريحات لصحيفة لوموند فى 18 يناير. حيث قال في تصريح سابق "بخصوص قيام روسيا بتعبئة عسكرية على حدودها، من لا يفعل ذلك أمام جار مماثل على علاقة مع قوة دولية تمثل تهديدا متواصلا لها؟ " قبل أن يقول في وقت لاحق عبر قناة تي إف 1 "فرنسا يجب أن تكون بلدا محايدا وهو ما يعني أنه يتوجب على روسيا عدم الدخول إلى أوكرانيا كما يجب على الأمريكيين عدم ضمها إلى الحلف الأطلسى".
لكن ميلنشون يصر على أنه لم يقم بتعديل موقفه السياسى حيث صرح الجمعة لفرانس إنفو "منذ البداية، كنت أقول إنه إذا حاولتم وضع قوة الحلف الأطلسي على حدود روسيا فى أوكرانيا، فقد يتسبب ذلك بمنعرج كبير".
وتحول هذا الموقف غير الواضح إلى هدف لهجمات منافسيه، حيث قال مرشح حزب الخضر يانيك جادو في بيان "ميلنشون لم يتأخر أبدا عن مجاملة بوتين" مضيفا "إنه يتبنى حجج الدعاية الروسية التي تقول بأن بوتين وجد نفسه مجبرا بسبب الحلف الأطلسي على الاعتداء عسكريا على أوكرانيا".
وفى أروقة معسكر الحزب الشيوعي ، لم تختف آثار الحرب الأوكرانية عن الانتخابات الفرنسية ، حيث تبني مرشح الحزب في مارثون الرئاسة 2022 ، فابيان روسيل موقفاً رمادياً من روسيا ، ودعا قبل أيام من العملية الروسية إلى الحياد أمام القوى العظمى قائلاً: "يوجد دب التايغا.. وفي المقابل توجد الصقور الأمريكية التي تعمل منذ أعوام عدة على ضم أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي".
ومع اندلاع الحرب ، بدل روسيل موقفه ، قائلاً: اختار الرئيس الروسي الحرب. ولقد قرر خرق الأعراف الدولية. يجب أن تبذل كل الجهود من أجل عودة السلام"، ورغم ذلك، لم يرفع روسيل كل اللبس حول مواقفه بشأن روسيا. ومثله مثل ميلنشون، لم يتحدث روسيل عن عقوبات ضد موسكو ولا عن سحب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية.
رغم تاريخ المساعدات.. لوبان تتنصل من موسكو
وفى اليمين المتطرف، تغيرت نبرة الخطاب بشأن روسيا أيضا. فقد عبرت زعيمة التجمع الوطني مارين لوبان -التى صرحت فى 2011 لصحيفة "كوميرسانت" الروسية أنها معجبة بفلاديمير بوتين- عن أسفها بسبب "التصعيد"، عادت لتؤكد في بيان يوم 24 فبراير بالتزامن مع انطلاق العملية الروسية: "لا يوجد أي سبب يبرر إطلاق روسيا عملية عسكرية ضد أوكرانيا في خطوة تقطع توازن السلام في أوروبا. ويجب التنديد بهذه الخطوة بدون أي غموض". وعكس خصومها ميلنشون وروسيل، دعت لوبان إلى "سحب القوات الروسية من أوكرانيا".
لوبان التي خاضت جولة الإعادة أمام الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون ، ونالتها تهم تلقيها دعم روسي في حملتها الانتخابية الأخيرة من خلال شبكات السوشيال ميديا واللجان الإلكترونية، كان ضيفة علي الرئيس الروسي فلادمير بوتين في موسكو نهاية مارس 2017، وتحدثت في ذلك الحين بنبرة مختلفة عن العقوبات التي فرضت على روسيا بسبب الصراع الأوكرانى سنة 2014 بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم.
وفي 2014 ، اقترض حزب الجبهة الوطنية الذي تتزعمه لوبان 9.4 مليون يورو من بنك روسى خاص بعد رفض عدة مصارف فرنسية إقراضها. وفي حوار مع قناة بي إف إم الفرنسية عن علاقاتها بروسيا، والقرض الروسي بالخصوص في 2014، نفت لوبان بشكل قاطع أنها تمثل امتداد لنفوذ بوتين في فرنسا. حيث قالت "كنت من بين المسؤولين السياسين القلائل الذين حاولوا البقاء على نفس المسافة من الولايات المتحدة وروسيا.. مجرد البقاء على نفس المسافة بين البلدين يؤدي إلى مثل هذا الاتهام" قبل أن تؤكد وجود مسؤولين سياسيين "تابعين بقوة للموقف الأمريكي".
"
بوتين الفرنسى" فى ورطة
انقلب موقف اليميني المتطرف إيريك زمور هو الآخر من بوتين. فبعد تأكيده فى حوار لقناة فرانس2 فى ديسمبر الماضى بأن "روسيا لن تغزو أوكرانيا" وتنديده بـ "دعاية" أمريكية، اضطر زمور لإلقاء اللوم على روسيا بسبب الحرب. إذ قال مرشح حزب "الاسترداد" للانتخابات الرئاسية في ندوة صحفية "أندد بدون تحفظ بالتدخل العسكرى الروسى فى أوكرانيا".
ويمكن تفسير توقعات زمور الخاطئة بالإعجاب الذى يكنه للرئيس الروسى. فقد صرح الزعيم الحالى لليمين المتطرف فى حوار مع صحيفة لوبينيون فى سنة 2018 أنه "يحلم ببوتين فرنسي". كما قال في سبتمبر الماضي على قناة سي نيوز الإخبارية "أنا مع التحالف الروسي، أعتقد أنه الحلف الأكثر ثقة". كما صرح في استوديوهات فرانس إنفو في فبراير بأن "فلاديمير بوتين وطني روسي ومن حقه الدفاع عن مصالح روسيا".
أما المرشحة فاليري بيركيس ، فكانت أيام من الحرب تري أن القلق الروسي من نشاط الناتو المحتمل قرب حدودها مشروع، ودعت في منتصف فبراير الماضي لعقد مؤتمر حول الأمن فى أوروبا بمشاركة روسيا والاتحاد الأوروبى.
وبعد الحرب ، لم يتبدل موقف بيركيس كثيراً ، حيث رفضت في تصريحات للتلفزيون الفرنسي أي تعهد "كاذب" لأوكرانيا بالانضمام للاتحاد الأوروبي، وقالت: "أنا ضد التوسع المرتقب للاتحاد الأوروبى بما في ذلك بعضوية أوكرانيا".
وأضافت: "أعتقد أنه يجب علينا أولا إجراء إصلاح عميق لمجتمعنا في سياق الحكم الذاتي الاستراتيجي في قطاع الدفاع والطاقة والاستقلال الغذائي.. والآن من المستحيل إعطاء أي ضمانات حول انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي".