بوادر انقسام سياسى يلوح في الأفق داخل ليبيا نتيجة عدم إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 24 ديسمبر الماضي، وعدم قدرة حكومة الوحدة الوطنية على الوفاء بالتزاماتها التي قطعتها على نفسها عقب أدائها اليمين الدستورية أمام مجلس النواب الليبي خلال جلسة منحة الثقة، وهو ما يثير تخوفات حقيقية حول مستقبل ليبيا خلال الفترة المقبلة في ظل ضبابية المشهد.
مجلس النواب الليبي عقب تعثر إجراء الانتخابات في ديسمبر الماضي تحرك خطوة للأمام وتوافق مع المجلس الأعلى للدولة لإدخال تعديلات على الإعلان الدستوري وتشكيل حكومة جديدة برئاسة فتحى باشاغا، والأهم وضع خارطة طريق جديدة تنتهى بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في البلاد وهي الخطوة التي قوبلت بترحاب شديد في الشارع الليبي لأنه لأول مرة يحدث توافق ليبى – ليبي بعيدا عن التدخلات الأجنبية والإملاءات الخارجية.
الأمم المتحدة تتخبط في ليبيا قبيل أيام من انتهاء خارطة الطريق التي وضعتها البعثة الأممية خلال اجتماعات ملتقى الحوار السياسي الليبي في جنيف، وسيكون أمام البعثة الأممية خيارات صعبة تتمثل في وضع خارطة طريق جديدة أو دعم خارطة الطريق التي وضعها البرلمان أو الذهاب لخيارات سياسية خشنة تتمثل بدفع المجلس الرئاسي الليبي لإصدار مراسيم رئاسية بالقوانين اللازمة لإجراء الانتخابات، وهو الخيار الصعب الذي يتحفظ المجلس الرئاسي عليه كثيرا ويدعم المسار الدستوري الليبي بكل قوة.
يبقى الأمل الوحيد للشارع الليبي في الوقت الراهن هو دعم اجتماعات المسار الدستوري بين مجلسي النواب والدولة للاتفاق على القاعدة الدستورية اللازمة للانتخابات، وقد تمكنت اللجنة في ختام اجتماعات الجولة الثانية التي احتضنتها القاهرة من التوافق على حوالى 140 مادة من أصل 197، وتعد الجولة الثالثة التي ستعقد في يونيو المقبل الحاسمة والفاصلة لأنها ستتطرق إلى المواد الملغومة في مسودة مشروع الدستور الذي أنجزته الهيئة التأسيسية في يوليو 2017.
المسار العسكري أحد أبرز المسارات التي يجب دعمها خلال الفترة المقبلة باعتباره قاطرة المسار السياسي الذى يتأثر كثيرا بأي انعكاسات سلبية على اجتماعات اللجنة العسكرية الليبية المشتركة "5+5"، وهو ما يتطلب ضرورة تفعيل دور هذه اللجنة والعمل بشكل سريع على تفعيل ما تم التوافق عليه في اجتماعات جنيف عام 2020، والضغط على الدول المنخرطة في الصراع عسكريا بضرورة سحب المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية في أقرب الآجال.
المكونات الاجتماعية الليبية الممثلة في القبائل عليها دور كبير في عملية إنجاز المصالحة الوطنية وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء لتهيئة الأجواء اللازمة لإجراء الانتخابات، كي تعترف كافة الأطراف بنتائج الانتخابات لأن الهدف هو قبول الجميع بما ستفرزه العملية الانتخابية وليس إجراء الانتخابات فقط في البلاد، ويبقى هذا التحرك الهام من أبرز المسارات التي يجب أن يدعمها المجلس الرئاسي الليبي خلال الفترة المقبلة في إطار التحركات المكثفة التي يقوم بها لإنجاز الانتخابات الرئاسية والتشريعية في البلاد.
الواقع أن ليبيا ضحية للصراعات والاستقطاب بين الدول الكبرى التي لها مصالح كبيرة داخل الدولة الليبية، ودفع الشعب الليبي ثمنا باهظا نتيجة الاستقطاب والانقسام في المواقف الدولية، وقد نجح المبعوث الأممى السابق لدى ليبيا غسان سلامة في توحيد مواقف هذه الدول كي يتمكن من طرح رؤية للحل السياسي تقبل بها كافة الأطراف الليبية بعيدا عن التدخلات الخارجية إلا أن المصالح الشخصية وعدم التفكير في المصلحة الوطنية وصراع الدول الكبرى أفشل هذه الجهود المضنية التي بذلتها الأمم المتحدة.
دعم الأمم المتحدة والدول الكبرى المنخرطة في الصراع الليبي لفكرة دمج المسلحين التابعين للكيانات المسلحة ونزع أسلحتهم أحد أهم الخطوات الرامية لتوحيد المؤسستين العسكرية والأمنية وإعادة هيكلتها، ويجب العمل على وأد أي كيانات مسلحة تعمل خارطة سلطة الدولة وتستنزف موارد ليبيا على كافة الأصعدة، وهو ما يتطلب وقفة جادة لتجفيف منابع تمويل ودعم المجموعات والميليشيات المسلحة التي تنتشر بشكل كبير في مدن المنطقة الغربية لليبيا.
لا شك أن الأمن القومي المصري يرتبط ارتباطا وثيقا بأمن ليبيا وهو ما يستلزم أن تعمل القاهرة على دعم حالة الهدوء الميداني التي تشهدها الدولة الليبية، بالإضافة للدفع نحو إنجاح المسار الدستوري الليبي باعتباره الأمل الأخير لليبيين لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وعدم الالتفات إلى الأصوات الأخرى التي تسعى لعرقلة الانتخابات لأنها تدرك أن نهايتها ستقترب من إنجاز الاستحقاقات الانتخابية بشكل كامل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة