هدد محمد على باشا كيان الدولة العثمانية بعد انتصارات ابنه إبراهيم باشا على جيشها، فاجتمعت الدول الأوروبية الكبرى «روسيا والنمسا وبروسيا وإنجلترا» على ضرورة «سجن مصر فى حدود ضيقة»، وفقا لتقدير «جيلبرت سينويه» فى كتابه «الفرعون الأخير- محمد على» ترجمة: عبدالسلام المودنى، مضيفا أن هذه الدول اتفقت على فرمان وجهه السطان العثمانى «عبدالمجيد» إلى محمد على فى 13 فبراير، مثل هذا اليوم، 1841، ويمنح الوراثة فى الحكم إلى محمد على، لكن بشروط خاصة تضمن سجن مصر فى حدود ضيقة من الاستقلال الداخلى والخارجى.
يذكر عبدالرحمن الرافعى، فى كتابه «عصر محمد على» بنود هذا الفرمان وهى «إذا خلا مركز السدة المصرية يختار له السلطان العثمانى من يشاء من أولاد محمد على الذكور أو أولادهم الذكور، فإذا انقرض نسل الذكور، يختار الباب العالى من يشاء للولاية دون أن يكون للأولاد الإناث حق فيها، ويلزم من يختار للولاية خلفا لمحمد على بالذهاب إلى الآستانة ليتلق فرمان التقليد، وإن ولاة مصر بالرغم من حقهم الوراثى تكون مرتبتهم مماثلة لمرتبة وزراء الدولة فى المخاطبات والمقابلات الرسمية، والمعاهدات التى أبرمها أو سيبرمها الباب العالى والقوانين الأساسية للدولة العثمانية، تنفذ فى مصر».
يضيف الفرمان، أن جباية الضرائب فى مصر ودخل الحكومة تكون باسم السلطان، وبالنظام المعمول به فى تركيا، ويرسل ربع إيرادات الحكومة المصرية الحاصل من دخل الجمارك والخراج والضرائب إلى خزانة الباب العالى، وتخصص الثلاثة أرباع الأخرى تكون لشؤون مصر من نفقات الجباية والإدارة العسكرية والمدنية، وحاجات الحكومة والغلال التى ترسل سنويا إلى مكة والمدينة، وطريقة أداء نصيب الباب العالى من إيراد الحكومة المصرية يعمل بها لمدة خمس سنوات ابتداء من 23 فبراير 1841، وتكون السكة «النقود» فى مصر باسم السلطان، ولا تختلف النقود الذهبية والفضية التى تضرب فى مصر عن نقدى الآستانة فى القيمة والنوع والعيار.
وعن وضع الجيش المصرى، حدد الفرمان عدده بألا يزيد على 18 ألف جندى فى وقت السلم، ويرفعه الباب العالى إلى ما يشاء فى وقت الحرب، ويتبع فى مصر نظام التجنيد المعمول به فى تركيا ويقضى بجعل مدة الخدمة خمس سنوات، وعلى ذلك يكتفى من مقترعى الخدمة الموجودين الآن بعشرين يبقى منهم 18 ألفا فى مصر ويرسل ألفين إلى الآستانة، ثم يسرح خمسة آلاف جندى كل سنة بطريق القرعة، ويقترع بدلهم أربعة آلاف مستجدون يبقى منهم 3600 فى مصر، ويرسل 400 إلى الآستانة، والذين يتمون خدمتهم العسكرية يعودون إلى بلادهم ولا يجوز اقتراعهم من بعد، ولا يختلف شوار «ملابس» الجنود والضباط المصريين وأعلامهم وأوسمتهم عن مثلها فى الجيش المصرى، وكذلك ملابس البحارة والجنود والضباط فى الأسطول المصرى وأعلام السفن الحربية المصرية، ولوالى مصر حق منح الرتب العسكرية لضباط البر والبحر لغاية رتبة صاغ، أما الرتب العليا فيرسم بها من السلطان، وليس لمصر أن تبنى سفنا حربية إلا بإذن صريح من الباب العالى.
يختتم الفرمان أحكامه بشرط مشدد هو «لما كان امتياز حكم مصر الوراثى المخول لمحمد على وأسرته مقرون بالشروط السابقة فالإخلال بأى منها يؤدى إلى سقوط حقهم فى هذا الامتياز»، ويذكر«سينويه» أن الباب العالى أرسل مبعوثا يدعى عيد مهيب أفندى بالفرمان، لكن محمد على رفضه قائلا: «هل يريدون إنكار ابنى إبراهيم، فهو يقود الآن جيشا مهما، وممن يطالبون بحقوقهم والسلاح فى أيديهم، ومهما كانت تربية أبنائى لامعة فلن يرضوا أبدا الامتثال لغير أكبرهم سنا، ولهذا يلزم أن تسوى الخلافة بحسب نظام الأكبر سنا»، كما اعتبر أن انتزاع الباب العالى منه حق اختيار الضابط هو إهانة له، وأن فرض الزى الموحد سخيف، وتساءل: كيف يمكن حكم مصر بالعدد القليل للجيش، وقال: ألا يرون أن هذا البلد مفتاح أفريقيا ولربما استانبول، وأخيرا فإن اقتطاع الربع من مداخيل مصر يسلب وجودها.
يؤكد «سينويه» أنه لزم أزيد من أربعة أشهر لتذليل العقبات لإصدار فرمان نهائى، ويذكر الرافعى، أن الباب العالى قام فى 19 إبريل 1841، بتعديلات جوهرية على الفرمان هى، أن حق الوراثة يكون للأكبر سنا من سلالة محمد على الذكور، وعدل عن تقويم الجزية بربع إيراد الحكومة وجعلها تبعا لتقديره فيما بعد مع النظر لحالة الحكومة، وأن يكون لوالى مصر حق منح الرتب إلى رتبة أميرالاى، أما ما يعلوها من رتب كدرجة أمير لواء وفريق فجعل حق منحها بعد استئذان الباب العالى.
يضيف الرافعى، أنه فى أول يونيو 1841 أصدر الباب العالى فرمانا جامعا يحتوى على أحكام فرمان 13 فبراير بالتعديلات التى أجراها فى 19 إبريل، وأصدر فرمانا آخر بتحديد الجزية السنوية بثمانين ألف كيس أى أربعمائة ألف جنيه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة