مؤكد للجميع أن معرض القاهرة للكتاب ملتقى للمفكرين والأدباء، وبمثابة فرصة ذهبية لتقريب الأجيال وتقليل الاختلافات والمفاهيم الخاطئة، لكن المتتبع خلال السنوات القليلة الماضية، يجد ظاهرة لافتة للنظر تحتاج إلى وقفة جادة وتأمل ودراسة وهى ظاهرة سوشيالية بامتياز.
من ذهب لمعرض الكتاب رأى اصطفاف فتيات وشباب أغلبهم مراهقين في طوابير، يحملون كتاباً واحداً، ويطلبون الحصول على توقيع مؤلفهم المفضل، حتى الآن نحن أمام مشهد عادى وطبيعى لكن اللافت يا سادة أن المؤلف هذا لا هو من المفكرين ولا من الأدباء ولا صحفى ولا أستاذ جامعة، إنما هو نجم على مواقع التواصل الاجتماعى "يوتيوبر" أو ما يُسمى بـ"المؤثر".
نعم يوتيوبرز يؤلفون كتبا تتضمن مقالات ورؤى وأفكارا، ويوظفون شهرتهم على مواقع التواصل الاجتماعى في دعوة الشباب لشراء هذه الكتب وحضور حفل التوقيع، فهذا يوتيوبر يحضر حفل توقيع كتابه أكثر من 10 آلاف شخص، وتلك "مؤثر" يصطف الآلاف لشراء كتابه والتقاط صورة معه.
والسؤال.. هل اصطفاف طوابير الشباب خلال حفلات التوقيع بمثابة ملمح إيجابى يشير إلى اهتمام الجيل الجديد بالكتاب، أم يعد نوعاً من الانتكاسة الثقافية؟
لذا، يجب علينا وبسرعة الإجابة عن هذا السؤال، لأن من المؤكد أننا بإزاء ظاهرة تحتاج فعلا للرصد وللنقاش، خاصة أنه هؤلاء النجوم الجدد بنوا شهرتهم في مجالات أخرى بعيداً عن الأدب والثقافة، ومتسلحين بجماهيرية كبيرة كلها متشبعة بثقافات العالم الافتراضى ووسائل الحداثة التي تميل إلى السطحية أكثر من العمق.
وقمة الخطر أن نترك انتشار الظاهرة لتصل بنا إلى مرحلة أن صُناع هذا المحتوى يتمكنون من سحب البساط من تحت أقدام الأدباء والمفكرين الحقيقيين، خاصة وأن التجربة تؤكد أننا كنا نستقبل الثقافة في الستنيات والسبعنيات عن طريق الدراما والسينما وليس الكتب، فقد كان تأثير التلفزيون والسينما قويا للغاية، إذ أثر ذلك في العادات والتقاليد واللهجات، وإن كان هذا جيدا لسنوات، لكن مع تراجع المستوى الفني اختلف الوضع نهائيا ووصلنا لمرحلة تحميل الفن والتلفزيون مآلات ما وصلت إليه ثقافتنا وهويتنا.
لذا، نتوجه من خلال مقالنا هذا بدعوة للنقاش ولرصد هذه الظاهرة وتحليلها جيدا، لنصل إلى رؤية تمكنا من عدم الانجرار إلى سيناريو الانزلاق نحو انتكاسة ثقافية وقتها لايٌفيد الندم.
