اتسمت الخطوات التي اتخذتها الدولة المصرية، منذ 2014، بحالة من التدرج، استطاعت من خلالها تحقيق الاستقرار الأمني أولا، في أعقاب سنوات من الفوضى العارمة، لتتحول بعد ذلك نحو التنمية الاقتصادية في إطار مستدام، عبر مشاريع عملاقة، من شأنها "إعادة هيكلة" الجغرافيا، من خلال اقتحام العديد من المحافظات التي عانت تهميشا صريحا لعقود طويلة من الزمن، بينما وضعت في الاعتبار العديد من المعايير البيئية والمجتمعية، بينما ارتكزت كذلك على توسيع "دوائر" التمكين، عبر تعظيم دور الشباب والمرأة، بينما احتل "ذوي الهمم" مكانة كبيرة في أجندة القيادة المصرية، إيمانا بأهمية الدور الذي يمكنهم القيام به في خدمة هذا الوطن، في حين توجت تلك الخطوات بتدشين "الحوار الوطني"، والذي يمثل "درة التاج"، باعتباره "ثمرة" كافة الجهود سالفة الذكر، في إطار تعزيز الحالة "التعددية" في المجتمع المصري، ليشمل العديد من الأحزاب والفئات المجتمعية، ومنظمات المجتمع المدني والأهلي، والمنظمات الحقوقية، وغيرها.
ولعل التدرج في الخطوات التي اتخذتها الدولة المصرية، خلال السنوات الماضية، منذ ميلاد "الجمهورية الجديدة"، تعكس بجلاء ما يمكننا تسميته بـ"فقه الأولويات"، والذي تبناه الرئيس عبد الفتاح السيسي، فالاستقرار الأمني هو الأساس لتحقيق التنمية، بينما تتحقق التعددية على أساس مجتمع شاب مؤهل ومتنوع يمكنه إثراء الحالة السياسية، في حين لا يمكن أن تتحقق الاستدامة، دون توسيع نطاق "الجغرافيا التنموية"، عبر الانطلاق إلى كافة المحافظات والمدن، والقرى، ودعمها من خلال المشروعات العملاقة، التي تضع في الاعتبار المعايير البيئية والتي من شأنها تحويل تلك المناطق من التهميش، إلى الإنتاج، مما يحقق قدرا من التكامل على مستوى الداخل، وتحقيق أكبر قدر من الاكتفاء الذاتي.
والمتأمل للمشهد المصري في السنوات الماضية، ربما يلمس ثمارا واضحة للخطوات التي اتخذتها الدولة، في إطار تنموي إصلاحي، لا تقتصر في أبعادها على مجرد أرقام "صماء"، وإنما ترجمتها قدرتها الكبيرة على الصمود في مواجهة أزمات عاتية، عجزت عن مواجهتها قوى كبرى، على غرار حقبة "الوباء"، والتي تمكنت مصر خلالها من تحقيق أرقام إيجابية في خانة التنمية الاقتصادية، في الوقت الذي عانت فيه قوى دولية كبيرة اقتصاديا جراء التضخم.
والحديث عن "الصمود" في مواجهة الأزمات، وهنا أقصد الأزمات "المستوردة" من الخارج، يعكس قدرة فائقة على قراءة المشهد الدولي من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو ما يبدو بجلاء في التعامل مع الأزمة الأوكرانية، على سبيل المثال، والتي استبقتها الدولة المصرية بتدشين مشروع "صوامع القمح"، وهو المشروع الذي يتلامس مباشرة مع أحد تداعيات الأزمة، قبل اندلاعها بأكثر من عام.
وعلى المستوى الدولي، ربما نجحت الدولة المصرية، في تقديم رؤيتها للعالم، على مسارات متوازية، أولها عبر تحقيق الشراكة مع محيطها الدولي والإقليمي، مع العمل على تنويع الشراكات، بحيث لا تدور في فلك قوى دولية واحدة، بينما اعتمدت في مسار آخر على اعتماد سياستها الداخلية، كمصدر إلهام للدول المحيطة بها، وهو ما يبدو في نموذج "الحوار الوطني"، والذي استلهمته العديد من الدول الأخرى، في إطار ما يحظى به من مرونة كبيرة إلى الحد الذي يمكن تطويعه، بحيث يتناسب مع الظروف التي تحظى بها كل دولة، وهو ما ساهم بصورة كبيرة في زيادة رقعة التأثير الذي تحظى به مصر في مناطقها الجغرافية، بينما تجاوزتها، لتتحول الصراعات الإقليمية في الشرق الأوسط، إلى حالة "حوار" واسعة النطاق، مما ساهم في تقديم النموذج المصري في الداخل إلى حالة إقليمية، نجم عنها العديد من المصالحات، عبر ما يمكننا تسميته بـ"تصفير الخلافات"، أو بالأحرى تنحيتها جزئيا
والحديث عن فكرة "تصفير" الخلافات، تتجسد بوضوح وبصورة مباشرة في الداخل، عبر "الحوار الوطني"، والذي يمثل انسجاما مع توجهات الدولة المصرية، في ظل العمل على تحقيق الشراكة بين كافة الأطياف السياسية والمجتمعية دون إقصاء، بل وتفعيل دورهم، عبر تمهيد الطريق أمامهم لتقديم رؤاهم ومقترحاتهم، سواء لحل الأزمات الراهنة أو رسم صورة للمستقبل، في ظل تحديات كبيرة، وحالة من الغموض تحيط بالعالم، جراء تواتر الازمات.
وفي الواقع أن عملية الإصلاح، رغم إنجاز الكثير من محطاتها، تبقى دائمة ومستمرة، في ظل النجاح الكبير الذي تحقق، والحاجة الملحة للبناء عليه، وهو ما يستدعي الحفاظ على أكبر قدر من الاستقرار السياسي، خلال السنوات المقبلة، وهو ما يدعو إلى ضرورة الاصطفاف مجددا خلف القيادة السياسية، ودعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الترشح مجددا لرئاسة الجمهورية، في ظل مواقفه البطولية لحماية وطن، كان على حافة الهاوية، بينما حقق العديد من الإنجازات، خلال زمن قياسى، تمكن خلاله من تحويل البلاد من الفوضى العارمة، إلى الاستقرار ومن ثم التنمية، وصولا إلى التمكين والتعددية، وهو النهج الذي تبقى البلاد والعباد في حاجة إلى استمراريته من أجل تعزيز تلك الحالة، وتحويلها إلى "عرف" وطني لا يجوز الانقلاب عليه في المستقبل.