15% من تجارة العالم تُنقل عبر البحر الأحمر، قد يُفهم هذا الرقم اقتصاديا فحسب لكن – ظنى - أنه يرتبط ارتباطا وثيقا بمدى نفوذ القوى الكبرى وتصارعها ودوافعها المحمومة للسيطرة، وبمدى المخاطر المرتقبة جراء تعدد بؤر الصراعات في المنطقة والإقليم، وتزايدها بعد تعاظم التداعيات السلبية لعمليات وتهديدات الحوثى لسلاسل توريد الشحن البحرى حول العالم جراء حرب غزة.
لذا، علينا أن نعى أن للبحر الأحمر أهمية اقتصادية وعسكرية وأمنية كبيرة للعالم كله، ليس فقط لاعتباره أحد أكثر طرق الملاحة البحرية الدولية حيوية في العالم بل لأن الدول المشاطئة له من أهم المراكز العالمية لإنتاج الموارد الطاقوية، وأن مضائقه وجزره تعد نقاطا إستراتيجية أمنية مهمة، وكل هذا جعله موضع صراع إقليمي ومحل تنافس كبير بين القوى العالمية والإقليمية الكبرى، بل جعله مركزا لاحتشاد القواعد العسكرية للقوى العظمى، وذلك لاعتباره ممرا استراتيجيا لحركة الأساطيل الحربية بين البحر المتوسط والمحيط الهندي وأفريقيا، وصولا إلى الصين واليابان والمحيط الهادى.
نعم، الصراع في البحر الأحمر بدأ منذ عدة عقود لكن ما يحدث الآن فى هذا الممر الملاحى الحيوى يُنذر باتساع دائرة الحرب في المنطقة كلها، بل يُنذر بنشوب حرب إقليمية كبيى تشارك فيها كل القوى بعد تصاعد الأحداث واستهداف السفن وإغراقها وإصرار قوى بعينها على الاستثمار في الصراع هناك لصالح نفوذها وهيمنتها ولتحقيق مكاسب استراتيجية في تلك الممر الاستراتيجي الكبير.
وهو ما يتطلب دق ناقوس الخطر، لأن الكل يرى - وضوح الشمس - ما يحدث في البحر الأحمر الآن من تصاعد المخاطر وتفاقم الأحداث، حيث شرعت شركات شحن دولية كبرى بتعليق مرور سفنها عبر البحر الأحمر، وتصاعد حدة الاستهدافات للسفن التي بدأت بالحجز ثم الإغراق.
خلاف تفاقم الأوضاع الاقتصادية وزيادة حدة الأضرار على دول بالمنطقة وعلى أوروبا خصوصا بعد تغيير مسارات الإبحار حول أفريقيا وزيادة وقت الإبحار وارتفاع تكلفة الشحن وأسعار البضائع، وزيادة أسعار النفط والغاز وأقساط التأمين على مخاطر الإبحار، بل الخطر الأكبر، أن هذه المخاطر وصلت لحد عرقلة الصفقات وعمليات التبادل التجاري بين الدول ما أدى إلى توجيه ضربات اقتصادية لدول عدة إقليمية منها وأوروبية.
نهاية.. يجب أن يُدرك الجميع خطورة ما يحدث في المنطقة والإقليم، وأن يُدرك أن كل ما يحدث الآن في الممر الملاحى – البحر الأحمر - يُنذر بكارثة مستقبلية، وأن عودة الاستقرار – قطعا - ستبدأ بوقف إطلاق النار في غزة ونجاح الوصول إلى تهدئة حقيقية بين فلسطين وإسرائيل، لأنه وببساطه المنطقة باتت على برميل من بارود انفجاره مسألة وقت لا أكثر في ظل تعنت إسرائيل ورفضها وقف إطلاق النار وتهديدها باجتياح مدينة رفح الفلسطينية، وفى ظل مواصلة الولايات المتحدة دعمها لإسرائيل اللامحدود وحرصها على الاستثمار في الصراع من أجل مصالحها حتى ولو كان على حساب أصدقائها وحلفائها.