لا شك أن حرب غزة باتت عُقدة ومُعضلة لإدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن بشكل خاص وللولايات المتحدة بشكل عام، بل جعلت بايدن يسير على حبل مشدود، حيث الدعم اللامحدود لتل أبيب، ومحاولات امتصاص الغضب الغربى والتخوف من اتساع رقعة الصراع ونشوب حرب إقليميمة تهدد المصالح الأمريكية، إضافة إلى تأثير هذه الحرب على الانتخابات الأمريكية، وتعرض سُمعة واشنطن ودول الغرب التي باتت على المحك جراء السكوت والعجز عن ما يجرى في غزة من قتل وقصف وإبادة جماعية للفلسطينيين.
لذلك، نقول، إن كل هذا أدى إلى أن يسير جو بايدن على حبل مشدود، خاصة أن الكل يعول عليه وعلى الولايات المتحدة في الحل والضغط وفى الالتزام بتصريحاته العلنية نحو حل الدولتين ووقف الحرب وإدخال المساعدات، وفى نفس الوقت يصمم على دعم إسرائيل دعما لا محدودا كشفته قرارات الفيتو المتتالية والمليارات من الدولارات التي قُدمت لتل أبيب وفتح أبواب مخازن السلاح الأمريكية بإسرائيل أمام نتنياهو، وتوظيف الاستخبارات ودوائر صنع القرار لخدمة إسرائيل.
ليكون بايدن أمام معادلة صعبة بين الفرصة والورطة، الفرصة في دعم إسرائيل لتحقيق أهدافها ومخططاتها وبين الورطة حيث مصالحها المهددة وسمعتها التي باتت على المحك.
إضافة إلى أن إدارة جو بايدن باتت بين نارين حال أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال لمسؤولين إسرائيليين، على رأسهم، بنيامين نتنياهو، على خلفية اتهامات بارتكاب جرائم حرب في غزة، لأنه حال أيدت هذه القرارات فستغضب حليفتها إسرائيل، وإن عارضت ستزيد من الغضب العالمي إزاء دورها في حرب غزة؛ ما قد يؤثر على فرص بايدن، في انتخابات الرئاسة المقررة في نوفمبر المقبل.
لذلك، باتت الولايات المتحدة في وضع محرج من خلال إظهار احترام للأحكام الدولية حتى لا تفقد صورتها المتمثلة في احترامها حقوق الإنسان والقانون الدولي وحتى لا تكون في مرمى انتقادات دولية، مع الاستمرار في دعم تل أبيب بصور أخرى حتى لا يفقد بايدن الداعمين اليهود في الانتخابات المقبلة.
الأمر الآخر الذى يُزيد من عُقدة بايدن أن إدانة إسرائيل ستؤدي بالتبعية لإدانة الولايات المتحدة أخلاقيا، وبالتالي من المتوقع أن يقف الكونجرس الأمريكي بقوة ضد إصدار هذه المذكرة، حيث واجهت المحكمة تحذيرات بل وصلت إلى تهديدات من أعضاء في الكونجرس وعلى رأسهم رئيس مجلس النواب مايك جونسون.
وأيا كان الأمر، نقول: إن السكوت عن ما يحدث في غزة وصمة عار للولايات المتحدة والمجتمع الدولى التي كان دائما يتحدث عن حقوق الإنسان واحترام القانون الدولي، وأنه يمتلك حضارة تراعي الإنسانية وتضعها تاجا على رأسها، وأن معاناة الفلسطينيين كشفت هذا القناع وزيف هذه الإدعاءات، ما يجعل ما يدور الآن في غزة سببا في تغيير النظام العالى – شئنا أم أبينا.. لأن العام قبل 7 أكتوبر 2024 بات غير العالم بعد هذا التاريخ.