أبدأ بالتصريح الذى قد أدلى به رئيس شعبة المخابرات العسكرية الإسرائيلية "أمان"، اللواء أهارون هاليفا، منذ أيام قليلة، والذى قال فيه "إن الأسوأ ربما لم يأت بعد" ثم ها هو يستقيل من منصبه، وأيا كان سبب هذا الاستقالة يرجع إلى الإخفاق فى عملية طوفان الأقصى أو له علاقة بفشل الرد على إيران أو أي سبب آخر، إلا أن هذا التصريح وهذه الاستقالة بمثابة حدث له دلالات عدة، ويكشف بشكل قاطع عن حقيقة الخلاف والانقسام بين سطلة الاحتلال الآن، ويؤكد أن هناك مستقبلا سيئا لإسرائيل وللمنطقة جراء ما يحدث الآن من تفاقم للصراع.
وأعتقد أن الرسالة الأهم هو موعد وتوقيت هذه الاستقالة وما قيل قبلها، والذى يُشير إلى أن الحرب فى غزة قد انتهت منذ فترة، ولم تعد مُجدية، وأن الاستمرار في هذه الحرب لا يُصب إلا في مصلحة نتنياهو، لأنها تقتضي ذلك؛ سواء لخدمة أغراضه الشخصية المرتبطة بمحاكمة الفساد وأغراضه الحزبية، وهاليفا نفسه يدعم هذا الفهم لأنه كانت لديه نية للاستقالة بعد الحرب مباشرة، لكن قيادة الجيش هي من منعته، وكانت المبررات وقتها حتى لا يتم تعيين قادة من طرف نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، وخوفاً من أن يلوث نتنياهو الأجهزة بالفساد على الحسابات العسكرية المهنية، لذلك فإن الاستقالة تعنى أن فعلا نتنياهو قرر أن يلوث الأجهزة.
الأمر الآخر، والذى يجب وضعه عين الاعتبار، أن الكل بات يُحمل نتنياهو المسؤولية، ليس فقط بوصفه المسؤول الأول، بل لأن الكل قد حذره، - حتى قبل عملية طوفان الأقصى من تصرفاته وتصرفات حكومته المتطرفة لكنه لم يكترث، خاصة أنه داعم لاستمرار الاقتحامات للمسجد الأقصى، وانفلات المستوطنين واعتداءاتهم على الفلسطينيين، والممارسات ضد الأسرى، وإغلاق آفاق التسوية السياسية، وكذلك إصراره على نفس الممارسات بعد عملية طوفان الأقصى والاستمرار في إبادة الفلسطينيين وقطاع غزة بالقصف والقتل والتجويع وتسميم الأراضى وتقطيع أواصل الضفة وغزة وحصار أكثر من مليونين وأربعة مائة ألف فلسطيني في مدينة رفح، وعدم الاكتراث بتحذيرات المجتمع الدولى ولا المنظمات الإغاثية والدولية، مستمرا في حربه بارتكاب جرائم الحرب حتى بعد مثول إسرائيل ومحاكمتها أمام العدل الدولية، وتصميمه على توسيع رقعة الصراع بدخول في حرب مع إيران واختراق سيادة سوريا والعراق ولبنان يوميا بعمليات عسكرية واستخباراتية.
وهنا يجب على الغرب والولايات المتحدة، أن يفهموا أن لا حل إلا برحيل نتنياهو وأن دعمهم الأعمى لإسرائيل فهو في الأصل دعم لنتنياهو وليس لإسرائيل وأن إسرائيل هي من ستدفع الثمن في النهاية مهما طال الزمن، لأن التاريخ يؤكد أنه لا نصر لاحتلال مهما طال إجرامه وسيطرته، وأن الغلبة في النهاية دائما للشعوب وليس لجيوش الاحتلال أو الاستعمار.. واسألوا التاريخ؟
وأمر آخر لا يقل أهمية عن سابقيه، وهو أن استقالة رئيس الاستخباراتية العسكرية ستفتح الباب على مصرعيه أمام استقالات أخرى لقادة إسرائيليين من أجل القفز من المركب قبل غرقها، ونموذجا قائد القيادة المركزية في جيش الاحتلال يهودا فوكس الذى قد أبلغ رئيس هيئة الأركان برغبته في الاستقاله أو التقاعد بحلول أغسطس القادم ما يعني أن استقالة أهارون ستفتح الباب لاستقالات أخرى.
لذا، على الغرب والولايات المتحدة أن لا يعولون على نتنياهو كثيرا، وأن لا يراجعوا المواقف وينتبهوا لمراوغته، خاصة أنه سيعمل على الهروب بالحديث عن فتح تحقيقات وخلافه، لأنه اعتاد إشغال المجتمع الإسرائيلي والدولى في الحرب؛ وسيسعى بكل ما أوتى من قوة كي يطيل مدة تأجيل هذه التحقيقات، بل يحاول أن يجعله تحقيقاً متواضعاً وموجهاً من لجنة حكومية ليفلت من العقاب ويضمن البقاء..