مؤكد أن استخدام الولايات المتحدة حق الفيتو بمجلس الأمن الدولى لمنع دولة فلسطين من الحصول على العضوية الكاملة فى الأمم المتحدة سقوط أخلاقى جديد لدولة دائما ما تتحدث عن حقوق الإنسان ونشر السلام، وانتكاسة جديدة أيضا فى سجل انتكاسات منظمة الأمم المتحدة المرتقب انهيارها قريبا، بعد أن باتت مرتعا لازدواجية المعايير وفقدها للمصداقية، وبعد أن باتت سمعتها في خطر جراء سياسات الولايات المتحدة التي لا تعرف إلا مصالحها وهيمنتها على حساب الجميع حتى على حساب حلفائها، وهو ما يجب أن تدركه المنظمة الدولية، ويُدركه أيضا حلفاء الولايات المتحدة، وعليهم يتذكرون أن الولايات المتحدة صديق دائما يخون.
نقول هذا بعد أن كان هناك توقع بوجود بصيص أمل في أن يستعيد مجلس الأمن الدولى سمعته، بالتصويت على العضوية الكاملة لدولة فلسطين، خاصة أن هذا الأمر تأخر كثيرا، لأنه من المعلوم أن مجلس الأمن هو من قام بالتصويت على النصف الأول من القرار 181 بقبول عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة منذ ثمان عقود لكن ما زال يعجز عن تنفيذ النصف الثاني من نفس القرار بالاعتراف بحق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة نتيجة استخدام الولايات المتحدة للفيتو.
ما يعنى أن سياسات الولايات المتحدة تؤكد الانحياز الأعمى لصالح كيان الاحتلال الإسرائيلي، وإصرارها على ضرب وتقويض أسس العمل الدولي الجماعي، وأنها أثبتت بالفعل أنها لا تريد أمن واستقرار المنطقة، وكشفت عن وجهها الحقيقى بشأن عدم نصرة الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، وباتت هي من ترعى الدمار والخراب وتتهرب من حقوق الإنسان التي تذرعت بها للتدخل في شئون الدول الأخرى.
بل أن الأخطر – والذى يجب وضعه عين الاعتبار - أن تصريحات الإدارة الأمريكية وسياساتها الداعية للحل والاستقرار ما هي إلا فقاعات إعلامية تهدف من خلالها إلى تبريد المنطقة دون الوصول إلى حلول حقيقية للشعب الفلسطيني.
إضافة إلى أن الحقيقة التي باتت واضحة وضوح الشمس، أن كل ما تقوم به الولايات المتحدة من مساعٍ سياسية لا يخرج عن إدارة الصراع وليس إنهاؤه، وهو ما يجب أن ندركه جميعا خاصة الفلسطينيين والعالم العربى والإسلامى، ما يستدعى ضرورة وحتمية التكامل ووحدة الإرادة في مواجهة هذه الازدواجية وتلك العدوان.
ورغم هذا كله، إلا أن هناك شعاع ضوء بعد الفيتو الأمريكى هو أن العالم بات يعرف حق المعرفة أن هناك إجماعا على الحق الفلسطيني، حتى القوى التي لديها حق الفيتو والأعضاء غير الدائمين بمجلس لأمن وبمختلف توجهاتهم - ومعظمهم موال للولايات المتحدة -، ما يعنى عُزلة الولايات المتحدة وعدم قدرتها كالسابق في الضغط لتحقيق ما تريد دون الوصول للفيتو، وما يعنى أيضا أنه يٌمكن البناء على هذا الإجماع والتأييد الدولى للحق الفلسطينى بمزيد من الضغط لنصل لتحقيق ما نريد.
لذا، علينا أن لا نعول كثيرا على الولايات المتحدة ولا على تصريحاتها البراقة والمراوغة، فبات الكل يُدرك أن سياستها قائمة على إدارة الصراع وليس إنهاؤه والاستثمار في الأزمات، وأنها ثبتت بالفعل أنها صديق دائماً ما يخون، وأنها تبحث ببراجماتية عن مصالحها دون مصالح الدول الأخرى، سواء أكانت تلك الدول حليفةً أو صديقةً.. وأن الوحدة والتكامل هي الحل والسبيل الوحيد لنصرة القضية إذا أردنا حقا نصرتها.. !