هؤلاء الذين يستغربون دور القوات المسلحة فى عمليات التنمية أو يعارضون ما يقوم به الجيش اليوم فى ميدان المشروعات القومية العملاقة، أو أعمال البناء والتوسع فى البنية التحتية، هؤلاء إما جهلة أو أصحاب هوى، ولا أريد أن أذهب لأبعد من ذلك فى الوصف أو أصل إلى مرحلة التآمر، لا قدر الله.
دعنا نعتبر أنهم جهلاء، ونفترض أن جهلهم يستوجب عذرًا بالجهل، يخرج بهم بعيدًا عن دائرة الهوى السياسى الخاص أو الحسابات الضيقة فى صراعات السلطة، «جهلة كفاية جدا»، لأنهم ببساطة لا يدركون جملة من الحقائق فى العالم، ثم لا يستوعبون الظرف الزمنى الخاص، الذى مرت به مصر «قلنا جهلة وخلاص».
أولا يا سيدى لا يوجد جيش فى العالم، من جيوش البلدان القوية، بلا منظومة اقتصادية تسانده، الجيش الأمريكى مثلا هو أهم شريك فى مشروعات البنية التحتية فى الولايات المتحدة، وهو الرهان الأول والأخير فى مواجهة الشعب الأمريكى للكوارث الطبيعية، التى تطل عليهم من حين لآخر، هل تعرف مثلا أن الجيش الأمريكى وإداراته الهندسية هى التى تشيد أهم السدود والجسور فى الولايات المتحدة، وهل تعرف أن مشروعات الجيش الأمريكى توفر للمواطنين 12 ألف ميل من الطرق المائية، وهل تعرف أن الجيش استثمر نحو 44 مليار دولار خلال 7 سنوات بين عامى 2006 و2013، وهل تعرف أن لدى الجيش الأمريكى خطة استثمارية تنافس شركات التكنولوجيا فى وادى السيلكون، وأنه لا توجد شركة خاصة من الشركات العملاقة لا تتقاسم أسهمها شركات تابعة للجيش الأمريكى بشكل غير مباشر، بجانب هذه الاستثمارات المباشرة.
أنت واهم يا سيدى، «جاهل يعنى» ولا أريد أن أصفك بالهوى أو التآمر لا قدر الله، فأنت تعلم أن الجيش الأمريكى ليس هو الحالة الوحيدة، فالجيش الـتركى، وهو الجيش الأقوى فى تحالف الناتو، لديه استثمارات علنية فى شركة واحدة فقط من شركاته وهى شركة «أوياك» بنحو 10 مليارات دولار، وفق تصريحات علنية لقيادات المؤسسة العسكرية التركية، وأكرر أنها شركة واحدة فقط، علنية.
أنت جاهل يا سيدى، لأن الجيش الباكستانى لديه شركة واحدة فقط من شركاته يصل إجمالى استثماراتها إلى 20 مليار دولار، ويمتلك الجيش أهم الصناعات المعدنية الثقيلة فى البلاد، وينافسه الجيش الهندى الذى يمتلك عددًا كبيرًا من الصناعات الإستراتيجية فى الهند، وإلى جانب ذلك يمتلك الجيش الهندى عددًا هائلا من السلاسل التجارية، التى تقدم السلع للمواطنين بأسعار مناسبة لحماية الطبقات الفقيرة فى الهند من جشع التجار.
أنت جاهل يا سيدى، «لا أقول متآمرًا أو صاحب هوى» لأنك تعرف بأنه لا يوجد جيش فى العالم يترك اقتصاديات أمته عرضة للأخطار، ولا يوجد جيش فى العالم الغربى ليس لديه أدواته الاقتصادية، جيوش فرنسا وإنجلترا تعيش على تصدير الصناعات العسكرية، وجيوش أوروبا تلعب دورًا كبيرًا فى الفضاء الاقتصادى لحماية مقدرات الأمم، وتوفير حائط صد يحول دون أى انهيار مالى يؤثر على القدرات العسكرية لهذه الجيوش.
ما يفعله جيش مصر هو جزء لا يتجزأ من هذا الفكر العالمى، هذا إذا كنت جاهلا بالوضع العالمى، أما ما يتعلق بالظرف الوطنى الخاص لهذه الأمة، فلا يجب على أهوائك السياسية الخاصة أن تنسيك كيف تعرضت كل مؤسسات الدولة إلى زلزال مدمر بعد أحداث يناير، أنت تعرف، أنت شاهد على ما جرى، ولولا ما قامت به القوات المسلحة لانهار البلد رأسا على عقب، ولولا ما تقوم به القوات المسلحة الآن لما كان باستطاعتنا أن نختصر الزمن لتحقيق كل هذه الإنجازات التنموية.
• هل أنت غاضب لأن الجيش يقوم بهذا الواجب التاريخى، لماذا؟ هل تريده أن يتفرغ للتسليح ولمواجهة الإرهاب؟
وهل هناك جيش فى المنطقة يتوسع فى التسليح لحماية أراضيه، ويواجه الإرهاب أكثر من جيش هذا البلد؟
• حرام أن تكون أهواؤك الخاصة خنجرًا فى خاصرة زملاء السلاح، وسيفًا على رقبة الوطن.
• هل أنت متآمر؟
• لا؟
• إذن أهواؤك تحركك.
• لا
• إذن أنت جاهل.
وكل واحد عارف نفسه كويس، أنت جاهل يا أفندم، أحسن نتفق إنك جاهل.
مصر من وراء القصد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة