يجرى استخدام الكلاب البوليسية من قبل مأموري الضبط القضائي فى أعمال الاستدلال للكشف عن الجرائم والتعرف على مرتكبيها، وكشف المرفقعات والمتفجرات والمخدرات، أو الأسلحة والذخائر والمعدات والأدوات المستخدمة فى الجريمة المرتكبة، أو أي مهمة أخرى تساعد فى كشف الحقيقة وخدمة العدالة، والمحافظة على الأمن والنظام العام.
ويرى البعض أن استخدام الكلاب البوليسية مشروعاَ إذا لم يجبر المتهم على الاعتراف، أما إذا استخدمت في تعذيبه أو إهانته، فإن الاستخدام في هذه الحالة يفتقر إلى المشروعية – ليس هذا فحسب – وإنما هنالك أسس وضوابط علمية وعملية ينبغي توافرها في الكلب البوليسي لغايات جواز استخدامه في الاستدلال منها أن تكون مدربة وغير مجهده، أو مريضة، أو في حالة هياج وشراسة.
هل يثبت التلبس من ادعاء اشتمام الكلب البوليسي رائحة المخدر؟
ويعد استعراف الكلب البوليسي على المتهم، أو السلاح أو الأدوات، أو المضبوطات قرينة، غير أن هذه القرينة لا تكفى وحدها للإدانة، فلا بد من تعزيزها بدليل أخر، ويكون اعتراف المتهم طواعية واختياراَ عقب تعرف الكلب البوليسي عليه صحيحاَ، وله وزن وقيمة فى الإثبات، أما اعترافه جراء هجوم الكلب عليه وتمزيق ملابسه، أو عقره فيعد باطلاَ، فهذه الكلاب البوليسية لا تستخدم عبثاَ ودون مبرر أو داع، بل هنالك مجالات واسعة وفضفاضة تستخدم فيها، وتد الكلاب البوليسية من قبيل الوسائل والأساليب الحديثة فى التحقيق.
فى التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتمثل في السؤال هل يثبت التلبس من ادعاء اشتمام الكلب البوليسي رائحة المخدر؟ بعد أن بات الاستعانة بالكلاب البوليسية المدربة للكشف عن الجرائم لاسيما في حيازة وإحراز المفرقعات والمخدرات أمرا شائعا، ولقد أثير التساؤل ولا يزال حول مدي أمكانية ثبوت التلبس بما يخوله لرجل الضبط القضائي من مكنات القبض والتفتيش من خلال الكلاب البوليسية، ولم تدل محكمة النقض بعد علي حد ما نعلم برأي صريح في تلك المشكلة – بحسب أستاذ القانون الجنائي والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق.
القضاء أجاز ثبوت التلبس بالكلب البوليسي
فى البداية - يمكن القول أن القضاء لا يري باسا من ثبوت التلبس من خلال اشتمام كلب بوليسي مدرب علي كشف المخدر، إذ سبق وأن عُرض علي أحدي محكمة الجنايات واقعة انتهت فيها إلي ثبوت حالة التلبس من خلال كلب بوليسي مدرب علي الكشف عن المخدر كان فيها أحد الضباط في كمين حدودي قد استوقف سيارة المتهم، وطلب من مرافقة أمين الشرطة الكشف عن السيارة، فقام الأخير بجعل الكلب – هيرو - يمر حول السيارة إلى أن توقف أمام الباب الخلفي الأيسر وأخذ في النباح بشدة، وهنا طلب الضابط من المتهم الأول فتح أبواب السيارة وإنزال مستقليها وعند فتح الباب المواجه للكلب هجم على الحقيبة الموجودة على المقعد الخلفي الأيسر وأطبق عليها بأسنانه، وجذبها عنوة إلى خارج السيارة، فتمزقت أحشاؤها وسقطت منها قطع من جوهر الحشيش المخدر وقام بتفتيش السيارة فعثر على مخدرات وطلقات آلية – وفقا لـ"فاروق".
ورأت محكمة الجنايات توافر التلبس لوجود مظاهر خارجية تمثلت في نباح الكلب المدرب علي كشف المخدر، وصوبت التفتيش استنادا إلى ذلك ودانت المتهم، فطعن في الحكم أمام محكمة النقض وكان من ضمن أوجه الطعن بطلان الضبط والتفتيش لانتفاء التلبس، غير أن محكمة النقض رفضت هذا الوجه من الطعن، وأقرت التفتيش، ولكن التمست له مبرر وسند آخر غير التلبس وهو كونه تفتيش إداري حدودي لا يتقيد بضمانات التفتيش الواردة في قانون الإجراءات الجنائية.
النقض لم تبدى رأياَ فى تحقق حالة التلبس من خلال الكلاب البوليسية
وقالت محكمة النقض أن التفتيش الذي يجريه مأموري الضبط القضائي تأمينًا للمطارات والممرات البحرية الدولية والأنفاق عبر قناة السويس تأمينًا لها من حوادث الإرهاب باعتبارها مناطق حدودية وحماية للأمن القومي للوطن، وهو إجراء تحفظي لا يلزم لإجرائه أدلة كافية أو إذن سابق من سلطة التحقيق ولا يمنع إجراءه حتى ولو كان الشخص الواقع عليه يتمتع بصفة الحصانة أيًا كانت نوعها، وشخص المتمتع بها وصفته، طالما أنه كان في حالة مرور من هذه المناطق، وتم دون تعسف ومن ثم جواز التعويل على ما يسفر عنه هذا التفتيش من أدلة، وأن فحص سيارة الطاعن من كلب الحراسة حال مروره من منطقة حدودية وسقوط جوهر الحشيش المخدر عقب انقضاضه على حقيبة وتمزيقها واستكمال تفتيش باقي الطاعنين والسيارة صحيح قانوناً وأن استناد الحكم لتقرير قانوني خاطئ هو رضاء الطاعن بالتفتيش أو توافر مظاهر خارجية لارتكاب الجريمة - لا يعيبه - ما دامت النتيجة التي خلص إليها تتفق والتطبيق القانوني السليم، وذلك طبقا للطعن رقم 13623 لسنة 87 قضائية.
وتؤكد: تلقى نبأ الجريمة عن الغير لا يكفى لقيام حالة التلبس
ولكن يمكن القول بأن قضاء النقض مستقر علي أن التلبس حالة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها، وأن تلقى مأمور الضبط القضائي نبأ الجريمة عن الغير لا يكفى لقيام حالة التلبس ما دام هو لم يشهد أثرا من أثارها ينبئ بذاته عن وقوعها، وذلك طبقا للطعن رقم 29390 لسنة 59 ق، ومقتض ذلك أن أدراك رجل الضبط القضائي للتلبس يجب أن يتم بأحدي حواسه الخمس من شم أو مشاهدة أو لمس، كما أنه من المقرر كذلك أن إدراك الجريمة في حالة التلبس من قبل رجل الضبط القضائي يجب أن يكون يقينيا لا يقبل الشك أو التأويل – الكلام لـ"فاروق".
ومن ثم فإن اشتمام الكلب البوليسي رائحة مخدر لا يوفر التلبس، إذ رجل الضبط لم يدرك بنفسه الجريمة بل تلقي نبأ عنها من حيوان قد تخطئه حاسة الشم وقضاء النقض مطرد علي أن استعراف الكلب البوليس مجرد دلائل على الاتهام تعزز بها الأدلة، وذلك لأنها وسيلة لا تبلغ اليقين، لأن احتمال الخطأ فيها وارد والتلبس لا يثبت بالظن والشك بل باليقين.