مما لا شك فيه أنه قد أصبح لكلمة "مشاهرة" في عقود الإيجار صدي واسع مؤرق ومفرح في آن واحد بين - الملاك والمستأجرين - يتوقف فيها الأرق أو الفرح على حسب ما إذا كان مالكا أم مستأجرا، وفى حقيقةً الأمر ظلت كلمة "مشاهرة" في ظل قوانين الإيجارات القديمة مسيطرة علي اغلب عقود الإيجار التي كانت تحرر آنذاك.
وكلمة "مشاهرة" كانت تعني أن مدة العقد 59 سنة، إلى أن جاء القانون رقم 4 لسنة 1996 والذي صدر بتاريخ 30 يناير 96 وأصبح واجب النفاذ والتطبيق بدأ من اليوم التالي - أي من يوم 31 يناير 1996 - وبموجب هذا القانون أصبحت عقود الإيجار تخضع للقانون المدني، وليس لقوانين الإيجارات، أي أنه في حالة نشوب نزاع - لا قدر الله - فيما بين المالك والمستأجر، فإنه يتم اللجوء والاحتكام إلى نصوص القانون المدني وليس إلى نصوص قوانين الإيجارات طالما أن العقد محرر بعد 30 يناير 1996.
كلمة "مشاهرة" في عقد الإيجار بين التأويل والتطبيق
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تهم ملايين الملاك والمستأجرين، حيث يصفها البعض بأنها – حقل ألغام – من حاول دخوله أو اقتحامه توالت عليه المصائب من كل حدب وصوب بمجرد الحديث في تلك الإشكالية إما من ناحية الملاك أو من ناحية المستأجرين، وكيفية أن تتسبب كلمة "مشاهرة" كما يردد البعض فى "خراب البيوت" من خلال تلاعب الملاك بها في عقود الإيجار؟ وكيف تباينت الأحكام القضائية حول هذا الأمر ما بين اعتبار كلمة "مشاهرة" شهرا واحدا وما بين اعتبار الكلمة 59 سنة - بحسب الخبير القانوني والمحامي أحمد الأسيوطي.
في البداية – على الرغم من أن نصوص القانون المدني قد اعتبرت أن كلمة "مشاهرة" أو مفتوح أو إلى ما لا نهاية لا تعني أن مدة العقد 59 سنة بل تعتبر مدة العقد شهر واحد فقط أو المدة المعنية لدفع الأجرة، وفقا لما نصت عليه المادة 563 من القانون المدني، وبرغم النص الصريح في القانون المدني علي ذلك إلا أن كثير من المستأجرين مازالوا يكتبوا مثل هذه الكلمات "مشاهرة"، أو "مفتوح"، أو "إلى ما لا نهاية" في العقود التي يحرروها خلال الفترة الأخيرة – وفقا لـ"الأسيوطى".
قنابل موقوتة تدون في عقد الإيجار مثل "مشاهرة، أو مفتوح، أو إلى ما لا نهاية"
وكل هذه الأخطاء يتصيدها بالتأكيد الملاك، مما يعطيهم الحق في طلب "فسخ العقد"، وطرد المستأجر لانتهاء مدة العقد، هنا يجد المستأجر نفسه بين المطرقة والسندان، مطرقة تسليم الشقة وفسخ العقد وسندان مساومة المالك أو المؤجر ما بين زيادة الأجرة ربما أضعاف مضاعفة، الأمر الذي قد يرمي بكثير من الأسر بقارعات الطريق لعدم مقدرتهم المادية على هذه المطالب، وكلمة "مشاهرة" يختلف معناها باختلاف تاريخ التعاقد بحسب كونه قد أبرم في ظل قانون الإيجار القديم عنه في عقد الإيجار في ظل قانون الإيجارات الجديد الذي تم إقراره والعمل به منذ شهر نوفمبر عام 1996 فقانون الإيجارات القديم قبل عام 1996 كانت تعنى كلمة "مشاهرة" أن الإيجار يسرى لمدى الحياة وهو ما يتناقض بشكل جوهري في عقد الإيجار في ظل قانون الإيجارات الجديد – الكلام لـ"الأسيوطى".
معنى المشاهرة فى ظل قانون الايجارات الجديد؟
فالمعنى القانوني لكلمة "مشاهرة" – في ظل قانون الإيجارات الجديد تعنى أن مدة العقد هي "شهر واحد"، ومن ثم يكون المستأجر ملتزم برد العين "المكان المؤجر" بعد انتهاء "الشهر"، وقد نص القانون في مادته 558 من القانون المدني على أن: "الإيجار عقد يلتزم المؤجر بمقتضاه أن يمكن المستأجر من الانتفاع بشيء معين مدة معينة لقاء أجر معلوم"، كما تنص المادة 598 فقرة (أ) من القانون المدني على أنه: "ينتهى عقد الايجار بانتهاء المدة المعينة في العقد".
فالواضح من نص المادتين 558، 598 فقرة "أ" من القانون المدني أن عقد الإيجار عقد محدد المدة مؤقت بطبيعته، وتفسير كلمة مشاهرة بأنهاء مدة شهر هو التفسير الوحيد الذى يتفق مع طبيعة عقد الإيجار كعقد مؤقت المدة، كما أن كلمة مشاهرة لغوياّ هي أحد مشتقات كلمة شهر، وبالتالي تفيد معناها ومقصدها السليم ولا يصح الانحراف بالكلمة عن معناها وصولا إلى غاية أخرى بعيدة عن ما تفيده، وقد أكد ذات المعنى المذكرة الإيضاحية للقانون المدني، وكذا الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا وخلاصتها جميعا أن عقد الإيجار أحد القعود الرضائية والتي ترد على منفعة الشيء ولا يتصور فيها التأبيد.
مدى قانونية تأبيد العقد
وذلك لأن تأبيد العقد – أي تأبيد مدته – أمر يتنافى مع طبيعة عقد الإيجار، ويذكر من قضاء محكمة النقض في بيان تفسير العقود أنه: "متى كانت عبارة العقد واضحة في إفادة المعنى المقصود منها فإنه لا يجوز إخضاعها لقواعد التفسير للوصول إلى معنى أخر مغاير"، طبقا للطعن المقيد برقم 491 لسنة 59 ق جلسة 23 فبراير 1993، كما أن: "القاضي ملزم بأن يأخذ عبارة المتعاقدين واضحة كما هي فلا يجوز له تحت ستار التفسير الانحراف عن معناها الواضح إلى معنى أخر طبقا للطعن 904 لسنة 59 ق جلسة 5 أبريل 1993 أيضا: في تفسير العقود يجب التزام عبارتها الواضحة على هدى من حسن النية، طبقا للطعن 9459 لسنة 62 ق جلسة 11 يناير 1996، ومما سبق من أحكام محكمتنا العليا يتضح لنا أنه: "لا يجوز التفسير لما هو واضح".
ولا يجوز التفسير لتأويل المعنى المقصود "كلمة مشاهرة واضحة الدلالة"، وهى تعنى مدة "شهر" ومن ثم لا يجوز تحت ستار التفسير الآتيان بمعنى مغاير وغير صحيح ويهدد العلاقات التعاقدية بين الناس للتلاعب والتخبط، وخلاصة الأمر أن كلمة "مشاهرة"، والتي ترد ببعض عقود الإيجار المحررة في ظل قواعد وأحكام القانون المدني [ أى ابتداء من 1/2/1996 ] – يوردها المتعاقدان المؤجر والمستأجر – وهى تعنى أن تكون مدة عقد الإيجار شهراً ينتهى عقد الإيجار بإنهاء هذه المدة ويكون المستأجر ملزما برد العين المؤجرة للمؤجر.
المَخرج القانوني لتصحيح مسار عقود الإيجار التي تحرر بالخطأ
لأجل ذلك أصبح واجبا وفرضا علينا توضيح بعض الحقوق القانونية للمستأجر في حالة ما إذا كان الاتفاق على أن التعاقد 59 سنة، وأن نية المتعاقدين كانت تتجه الي ذلك، لذلك نوضح المَخرج القانوني لتصحيح مسار عقود الإيجار التي تحرر بالخطأ في بند المدة وهي كالتالي – وفقا لـ"الأسيوطى":
أولا:
يجوز إثبات أن نية المتعاقدين المالك والمستأجر كانت تتجه الي أن مدة العقد 59 سنة عن طريق شهادة الشهود الذين حضروا مجلس العقد، ويقروا، ويشهدوا أمام المحكمة أن الطرفين كان اتفاقهم على مدة الإيجار 59 سنة.
ثانيا:
يجوز الاثبات أيضا من خلال باقي بنود العقد فهي وحدة واحدة، والعقد مكمل ومتمم لبعضه عن طريق مثلا مقدم الإيجار إذا كان مبلغ كبير، وتم ذكر بأنه يتم خصم مبلغ معين مدة معينة لحين انتهاء هذا المقدم.
رأى محكمة الاستئناف في الأزمة
وإذا ثبت للمحكمة وتأكدت من ذلك ستصحح المحكمة مسار هذا العقد وستحكم بتعديل بند مدة العقد لتصبح 59 سنة بما للمحكمة من سلطة تقديرية أعطي لها المشرع في القانون للبحث في نية وإرادة المتعاقدين، وهو ما حدث بالفعل وأصدرت محكمة استئناف القاهرة مأمورية استئناف الجيزة الدائرة 40 إيجارات حكما مهما جدا صححت فيه مسار أحد العقود الذي كانت مدته "مشاهرة"، وحكمت محكمة الاستئناف بتعديل العقد وجعل مدته 59 سنة طبقا لما ثبت لديها بالأوراق وشهادة الشهود من أن نية العاقدين كانت تتجه إلى أن تكون مدة الإيجار 59 سنة.
رأى أخر مغاير لمحكمة الاستئناف
فقد سبق للدائرة العاشرة – بمحكمة استئناف طنطا – إصدار حكما قضائيا باعتبار كلمة "مشاهرة" هي "شهر واحد" في عقد الإيجار، مستندة على نص المادة 563 مدنى، حيث أرست المحكمة مبدأ قضائيا بأن تدخل القاضي لتحديد مدة عقد الإيجار من عند نفسه أمر غير صحيح قانونا، واعتبرت أن هوامش العقد غير معمول بها من الناحية القانونية.
وقالت المحكمة، في حيثيات الحكم عن موضوع الاستئناف – وعما أثاره المستأنف فهو في محله ذلك أن المقرر عملا بالمادة 563 مدنى أنه إذا عقد الإيجار دون اتفاق على مدة أو عقد لمدة غير معينة أو تعذر إثبات المدة اعتبر الإيجار منعقدا للفترة المعينة لدفع الأجرة، وينتهى بانقضاء هذه المدة بناء على طلب أحد المتعاقدين إذا نبه على المتعاقد الأخر قبل نصف الشهر الأخير، ومفاد ذلك أنه إذا اتفق الطرفان على دوام عقد الإيجار إلى المدة التي يريدها أحدهما أو دوامه ما دام المستأجر يدفع الأجرة أو أن العقد مستديم المدة فإنه يكون فى حكم غير المعين المدة، وتكون العبرة بالمدة التي يعينها القانون وهى الفترة المعينة لدفع الأجرة ولا محل للقول بوجوب تدخل القاضي لتحديد مدة العقد بـ59 عاما ذلك أنه يمتنع على القاضي إعمالا للمادة 147 مدنى التدخل لتعديل إرادة المتعاقدين إلا لسبب يقره القانون، ولو ارتأى المشرع أن يتدخل القاضي لتحديد حد أقصى لمدة عقد الايجار كما في حق الحكر ينص صراحة على ذلك ومن ثم فلا محل للقياس والاجتهاد مع وجود نص المادة 563 مدنى.
رأى محكمة النقض في الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض هي الأخرى التصدي لهذه الأزمة في الطعن المقيد برقم 6590 لسنة 79 قضائية - كما أنه من المقرر – في قضاء محكمة النقض – أن النص في المادتين 558، 563 من القانون المدني يدل على أن المشرع استلزم توقيت عقد الإيجار واعتبر المدة ركناً فيه، وأنه إذا عُقِدَ العقد دون اتفاق على ميقات ينتهى فيه الإيجار أو تعذر إثبات المدة المدعاة أو عقد لمدة معينة بحيث لا يمكن معرفة تاريخ انتهاء الإجارة على وجه التحديد كأن ربط انتهاءها بأمر مستقبل غير محقق الوقوع تعـين اعـتـبـار الـعـقـد مـنـعـقـداً للـفـتـرة الـمعـيـنة لدفع الأجرة ويكون لكل من المتعاقدين الحق في إنهاء العقد بعد التنبيه على الآخر بالإخلاء في المواعيد المبينة بنص المادة 563 سالفة الذكر والتي جاء النص فيها صريحاً بما يتعين تطبيقه ولا محل للقول بأن العقد ينعقد لمدة يحددها القاضي تبعاً لظروف وملابسات التعاقد أو أن الإيجار ينتهى بوفاة المستأجر أو بانقضاء ستين عاماً على إبرام عـقـد الإيـجـار قـياساً على أحـكام الحـكـر إذ لا محـل للاجتهاد أو الـقـياس وهـناك نص قانوني يحكم الواقعة.
الخلاصة"
سوف ننظر إلى تاريخ العقد، فإذا كان تاريخ عقد الايجار قبل 31 يناير سنة 1996 فكلمة "مشاهرة" تعني أن العقد مؤبد والمستأجر سيظل مقيم في العين لحين وفاته، وقد يمتد لورثته طبقا للقانون، أما لو تاريخ العقد بعد هذا التاريخ، فمعني كلمة "مشاهرة" أن العقد ستكون مدته شهر واحد، بعد ذلك المالك يستطيع طرد المستأجر، وأخيرا ننصح الجميع سواء أكان مالك أو مستأجر من الأفضل أن يتم اللجوء إلي محامي مختص لكتابة وصياغة العقد بطريقة قانونية صحيحة وسليمة، وذلك كيما يحافظ كل طرف على حقوقه القانونية.