أكرم القصاص - علا الشافعي

حازم حسين

منتدى شباب العالم.. حكمة الاختلاف وضرورة التكامل

الإثنين، 10 يناير 2022 02:49 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

"أمسُ كنت ذكيًّا فأردت تغيير العالم، اليوم أنا حكيم؛ لذلك سأُغيِّر نفسى". هكذا لخَّص منتدى شباب العالم رؤيته لنفسه والسياق العام، باقتباس جلال الدين الرومى الذى دار عليه حفل افتتاح دورته الرابعة، وهو فى الحقيقة يتجاوز كونه حكمةً تنبنى على فلسفة الرومى ونظرته للذات والآخر، إلى حيِّز التكثيف الموجز والعميق لحكمة الله فى الخلق، وفكرة التغيير فى وجهها الجاد والدائم، من حيث أنها فِعلٌ مهما اتَّسعت زواياه، لا يُمكن أن يتأسَّس إلا على حراكٍ اجتماعىّ ونزوعٍ فردى، ومن مجموع تغيُّرات الأفراد يتغيَّر العالم تلقائيًّا.

الإيمان بالاختلاف فضيلةٌ لازمة، والسعى إلى التكامل واجبٌ لا بديلَ عنه. العالم مُتَّسع إلى حدِّ أنه لا يُمكن لمُجتمعٍ أو بلدٍ الإحاطةُ به، وقابلٌ للتغيير إلى درجة أن البداية بالفرد كافيةٌ لإصلاح ما أفسدته السنوات والحوادث والصراعات. تلك الفلسفة المُوجزة تُمثّل ركيزة الحدث بكامله. أن يجتمع آلاف الشباب من كل الدول والثقافات؛ ليتدارسوا الواقع ويناقشوا مشاغلهم وأحلامهم، فيُقدِّموا أنفسهم للعالم مُتحرِّرين من قَيْد العُمر ووصاية الفاعلين فى بلدانهم، ويعود كل منهم إلى دائرته الأولى مُؤمنًا بأن فى الكون آخرين يدينون بغير ما يدينُ به، ويُخلصون لأوطان خلاف وطنه، لكنَّهم يتَّفقون جميعًا على خلاص البشرية وإقالتها من العثرات، ويقبلون الاختلاف وما يفرضه عليهم من حكمةٍ والتزامات.

قدَّم منتدى شباب العالم نفسه من جديد اليوم، بصورةٍ مُبهرة وفلسفةٍ أكثر نُضجًا. تجاور فى حفل الافتتاح ألبرت أينشتاين مع الأم تريزا وجلال الدين الرومى. التنوُّع الذى تحمله الشخصيات الثلاث يُعمِّق النظر فى مسألة الاختلاف وفضيلة التكامل. العلم والإيمان، العقل والروح، الغرب والشرق، نهضة الحضارة الغربية إلى جوار ذروة الثقافة العربية الإسلامية، يتكاملان مع تقاليد روحيَّة مسيحيَّة حملتها راهبةٌ من أصولٍ ألبانية إلى المجتمع الهندىّ بكل تنوُّعه الإثنى واللغوى والعقائدى. تعدَّدت الاقتباسات من ميراث الرموز الثلاثة، وعزَّزتها أغنية الافتتاح بمُشاركين من ثقافاتٍ ولغات شتّى، وكذلك استخدام أغنية كأس العالم 2018 "عالم واحد" بصوت شاكيرا فى أجواء القاعة ما قبل دخول الرئيس وانطلاق المراسم. كُلّها تفاصيل تؤكِّد الرؤيةَ نفسها. كُتب علينا أن نكون شركاء، وأن نكون مُختلفين أيضًا. لن نُحسن الاختلاف من دون اعترافٍ وقَبول، ولن تستقيم الشراكة ما لم نكن قادرين على إدارة اختلافاتنا لصالحنا جميعًا.

فى كلمته المُوجزة، لخَّص الرئيس عبد الفتاح السيسى محاور تلك الرؤية وشدَّد عليها، بتأكيده أن تحدِّيات اللحظة تُحتِّم علينا إدراك أهمية الحوار، وقبل ذلك إدراك حكمة أن نكون مُختلفين من دون تمييز، وأن نُخلص النوايا فى العمل وإنهاء الصراعات؛ لأنه لا سبيل لتجاوز أزمات الإنسانية بعيدًا عن هذا المسار. مصر تعمل بالفعل وفق تلك المُدوَّنة القيميّة، فلم تكن يومًا مُثيرًا لصراعٍ أو حافزًا لتوتُّر، بل إنها تحمَّلت عداء مُباشرًا واستهدافًا غشومًا من جماعاتٍ وحكومات، وردَّت بصبر وعقلانية، وحملت رسائل تهدئة فى كلّ الملفّات المشتبكة معها، وعلى كلّ الجبهات الساخنة. يُمكن أن تلمس ذلك فى الداخل، وفى دبلوماسيَّةٍ بيضاء مُحايدة مع الخصوم قبل الشركاء، وتحرُّكاتٍ جادّةٍ ومُخلصةٍ لنزع الفتائل وإخماد البراكين، فى المتوسط وليبيا والسودان وسوريا ولبنان والعراق واليمن، وفى غيرها. يُعلن الجميع دائمًا إيمانهم بالسلام، وقليلون فقط يعملون من أجله بإخلاص!

جمهرةٌ من الشخصيات العالمية البارزة والفاعلين الدوليّين تحدَّثوا فى افتتاح المُنتدى. كلُّ الرسائل ركَّزت على أولوية التضامن والعمل المشترك من أجل تجاوز التحدِّيات، والتعافى من آثار الجائحة، وإرساء ركائز وطيدة للتنمية والاستدامة. المدخل إلى ذلك يبدأ عبر الحوار، والجميع يُؤمنون به، لكنّ هذا الإيمان للأسف لا يجدُ ترجمةً عمليّةً فى المحافل الدولية. الأُمم المُتّحدة ومُؤسَّساتها تلعب أدوارًا قاصرةً وأقلَّ ممّا يجب أن تضطلع به، المؤسَّسات المالية تبدو عاجزةً أو محدودةَ الاهتمام بمُساندة الأسواق الناشئة والدول الأكثر فقرًا. مُنتديات السياسة والبيئة والاقتصاد لم تُقدِّم فعلاً حقيقيًّا يُوازى أو يُقارب ما حملته من رسائل وشعارات. الدول الكبرى أكثرُ استبدادًا بالنظام العالمى وتغليبًا لمصالحها المُباشرة على مصلحة الكوكب ومجموع ساكنيه. رُبّما يكون المنتدى وما أحاطه من اهتمام دولى انفراجةً على هذا المسار، لكن هذا الانفتاح يتطلَّب عملاً جادًّا ومُؤثّرًا من كلِّ الشركاء. الشباب يشعرون بمِحنة العالم أكثر من جُلِّ قادته. وبينما تُفسح مصر مجالاً وسيعًا وحيويًّا لهم؛ لترجمة هذا الشعور، يتبقَّى عبءُ استقبال هذه الرسائل والانشغال بها واقعًا على عاتق النظام العالمى بكامله، وفى طليعته الدول الكبرى والمُنظَّمات الأُمميَّة، والشركات والمراكز الاقتصادية المُحتكرة لأغلب فوائض النمو وإنتاج البشر جميعًا.

لماذا لا يُتَّخذ مُنتدى شباب العالم مُنطلَقًا لابتكار آليَّة حوارٍ شبابيّة دائمة تحت مظلَّة الأُمم المُتَّحدة؟ بل لماذا لا يُعتمَد هو نفسه محفلاً دوليًّا ذا صبغةٍ رسميّة؟ تحتاج المُؤسَّسات الدولية إلى نظرةٍ وإعادة هيكلة. آليَّاتُ العمل الطالعةُ من رحمِ الحرب العالمية الثانية وميراث الحرب الباردة لم تعُد مُلائمةً لتحوُّلات الراهن، ولا موازين القوى القائمة، ولا تطلُّعاتِ الدول والمُجتمعات وشباب ما بعد الألفية وثورة المعلومات. تضطلع مصر بإرساء مسارٍ جاد للحوار بين شباب العالم، ولن تتخلَّى عنه، لكن يتعيَّن على النظام العالمى أن يحتضن هذا المسار، أو يتشاركَ معه، أو يستخلصَ منه تجربةً جادّةً ومُخلصةً لابتكار ومَأسسةِ العمل الشبابى فى أروقةِ المُؤسَّسات الدوليّة، ويتعيَّن أن تتخلَّى القوى القديمة عن أوهام الهيمنة وغطرسة الوصاية على الكوكب. هنا - فى مصر ومن مدينة شرم الشيخ - يبدأ الحوار جادًّا وموضوعيًّا ومُتكافئًا بين الجميع على اختلاف انتماءاتهم، وننتظر أن يتعلَّم العالم من شبابه، وأن نمدَّ الخطَّ على استقامته؛ ليكون حوارُ الكبار وإدارتهم لاختلافاتهم مُنضبطين بما يُجيده الشباب ويُحبّونه ويسعون إليه، أوّلاً لأن العالم فى أَمَسِّ الحاجة لذلك، وثانيًا لأن لا مصلحةَ لفريقٍ بينما الجميعُ فى مَهبِّ العاصفة، وأخيرًا والأهمّ لأن الاختلاف حكمةٌ وقدر، ولا سبيل لدينا لإدارته إلَّا بقبوله، ثمَّ توظيفه أداةً لتعزيز التكامل. هكذا تزدادُ قُوانا، ونُصبحُ أقدرَ على المواجهة والعبور.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة