لا شك أن منطقة الشرق الأوسط لها أهمية كبيرة للغاية لأمن واقتصاد النظام الدولى الذي يشهد تحولات عميقة وتغيرات كبيرة، من بينها عودة التنافس بين القوى العظمى بقوة، لتصل إلى الصراع الدولى من أجل النفوذ والسيطرة على الإقليم، وهذا ظهر جليا منذ شهر أكتوبر 2023 وعملية طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على غزة، ليتأكد الجميع أن الإقليم بات على شفير حربٍ لم يشهد لها مثيل في تاريخه.
نعم هناك اشتباكات وصراعات ونزاعات دارت رحاها على مدى 75 عاماً، وتجسدت بقوة بعد ثورات الربيع العربى في عدة بلدان مهمة في الإقليم، إلّا أنّ نطاق الصراع هذه المرة أضحى واسع لدرجة أنه يُهدّد بالامتداد إلى المنطقة برمّتها، في ظل تعنت نتنياهو وإصرار الجيش الإسرائيلى على تدمير قطاع غزة وممارسة إبادة جماعية للفلسطينيين، وفى ظل استماتة نتنياهو فى عرقلة وتخريب أية مفاوضات من شأنها تنهى هذه الحرب، وسعيه الدائم في فتح الجبهات لتندلع بؤر توتّر في مناطق أخرى من جنوب لبنان إلى البحر الأحمر، إلى إيران والتصعيد في المواجهة بين الولايات المتحدة والميليشيات العراقية والسورية، والصراع في القرن الإفريقي.
إضافة إلى حادث مروحية الرئيس الإيراني، وما ستكشفه الأيام المقبلة عن ما حدث وسببه وتداعياته في المستقبل القريب في ظل التنافس بين القوى الإقليمية والدولية الساعية لتعزيز مصالحها من خلال دعم بعض الأطراف ضد أطراف أخرى.
وأعتقد أن مقاربة واشنطن المضلّلة تعزز ما نقوله، لأن المتتبع يجد أن الولايات المتحدة تحاول أن تعيد تأكيد وجودها العسكري في الإقليم خلال حرب غزة الجارية، وإنها لن تسمح بأي حال من الأحول بأن تحل الصين أو روسيا محلها في المنطقة.
غير أن الولايات المتحدة باتت تعلم أن دول بالمنطقة غير راغبة في استبدال الدور الأمريكي على الأقل في هذا التوقيت، وذلك لعدد من الاعتبارات؛ بعضها تاريخي وبعضها الآخر مرتبط بحجم المصالح المتشابكة بين الأطراف، لذاك تقوم بتوظيف هذه المقاربة المضلّلة، التي تواصل من خلالها إشعال مصدر الصراع ودعمه - أي عدوان إسرائيل على غزة - فيما تحاول إخماد صراعات في أمكان أخرى من المنطقة بالقوة العسكرية.
لذلك، على العالم أن يُدرك حقيقة مقاربة واشنطن في التعامل مع ما يحدث في الإقليم، ويعلم أنه كلّما استمرّت إسرائيل بسلوكها الحالي واستكمال أعمال الإبادة الجماعية للفلسطينيين، وكلّما تصاعد الغضب والتوتر في الإقليم، ينذر بنشوب حرب إقليمية، وأن الوسيلة الوحيدة لتفادي هذه الحرب في المدى المنظور والحدّ من تداعياتها المستقبلية، هي وضع حدّ للإبادة الجماعية التي تشنّها إسرائيل في غزة، وإقامة الدولة الفلسطينية، والكف عن الاستثمار في الصراعات وأزمات المنطقة..