أكرم القصاص - علا الشافعي

حازم حسين

القاهرة بكين.. دبلوماسية بيضاء وعالم بلا هيمنة

الأحد، 06 فبراير 2022 06:20 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لم تصمد "عُصبة الأُمَم" أكثرَ من ستِّ وعشرين سنة. المُنظَّمة التى نشأت من رَحمِ الحرب العالمية الأولى واتِّفاقية باريس للسلام بالعام 1919، استنفدت غرضَها وفُرصَ البقاءِ سريعًا، مع تغيُّر المُعادلة الدوليَّة وإعادة ترسيم موازين القوى عقب الحرب العالميَّة الثانية، لتنشأ على أنقاضِها الجمعيَّةُ العامَّةُ للأُمَم المُتَّحدة. حتى الآن ما تزالُ الأخيرةُ قادرةً على الصُّمودِ نسبيًّا، لكنَّ شيئًا من ملامحِ الوَهَن بات يتسرَّبُ إلى أُفق النظام الدولى، إذ لم تعُد المُؤسَّسةُ التاريخيَّةُ قادرةً على الاضطلاع بدورها الرَّاهنِ بكفاءةٍ مُطلقة، من حيث كونِها أداةً لإدارة التناقضاتِ وصيانةِ السِّلمِ بعيدًا عن فُرصِ الخُشونة. هذا الدَّورُ يتطلَّبُ إمَّا استقلالاً كاملاً، لم يعُد ممكنًا لها أن تحوزَه ولا أن يقبلَه من ابتكروها غلافًا لمصالحهم، أو هيمنةً مُطلقةً لطرفٍ بدرجةٍ باتت محلَّ نزاعٍ وعدم إقرار، وبينهما تُثار شُبهاتُ الانحيازِ وتتضخَّمُ مخاوفُ استنفاد مُبرِّرات الوجود!

منسوبُ الرضا عن أداءِ المُنظَّمة آخذٌ فى التَّراجُع. كثيرون لديهم مخاوفُ واعتراضاتٌ مكتومة، لكنَّ آخرين يُصرِّحون علنًا بما يمسُّ المنظومةَ الدوليَّةَ القائمة. لعلَّ أبرزَ المُعترضين روسيا والصين، اللتين تريان أنهما عُرضةٌ للضَّررِ بسبب شىءٍ من الاختلال يحكُمُ النظامَ العالمى، ويضعُ رؤى الولاياتِ المُتَّحدةِ وحُلفائها فوقَ الاعتبارات والمفاهيم التى تأسَّست عليها "الأُمَم المُتَّحدة" وما تزالُ ترفعُها إلى الآن. قد لا يُفضِى الأمرُ إلى سخونةٍ قادرةٍ على صَهْر الصيغةِ القائمةِ وإعادة سَبْكِها، ولا تقويضِ المُنظَّمة بالتحييد أو إنهاء الوجود على طريقة عُصبَةِ الأُمَم؛ لكنَّه على الأقل سيتطوَّرُ فى اتِّجاه ابتكار توازناتٍ جديدةٍ تُرشِّد فُرَصَ التغوُّلِ على القانون الدولى، أو تفتحُ البابَ لتغوُّلٍ مُضاد، قد لا يعنيه ضبطُ المشهدِ قدرَ ضمانِ مصالحِ المُتصارعين. الوضعُ يفرضُ تحدِّيًا على الواقعين خارج المُعسكرين، إذ إنَّ الانحيازَ الواضحَ فى تلك المُعادلة ضارٌّ، والحيادَ الكاملَ أكثرَ ضررًا، ولا بديلَ عن بلاغةِ التَّوازنِ والمُناورة!

تبدو مصرُ بعيدةً من تلك التَّجاذُبات؛ لكنَّها لا يُمكن أن تُغفِلَ ديناميكيَّةَ المجتمع الدولى، ولا أفقَ العلاقات المُخيِّمَ حاليًا وما يُمكن أن يعتريه من تحوُّلات. لا تحسبُ القاهرةُ نفسَها على مُعسكرٍ قائمٍ أو آخذٍ فى التَّشكُّل، ولا تُعلنُ قطيعةً مُسبقةً مع أحدٍ لاعتباراتٍ تاريخيَّةٍ أو لأسبابٍ أيديولوجيَّة. تنفتحُ دولةُ ما بعد 30 يونيو على كُلِّ الأطرافِ والمحاور، وتُؤسِّس علاقاتِها الخارجيَّةَ على دبلوماسيَّةٍ بيضاء، لا تعملُ فى الخفاء، ولا تُلوِّن الخطابات، ولا تُضمِرُ عكسَ ما تُظهِر، وغايتُها الاستقرارُ والتكاملُ والعمل مع الجميعِ من أجلِ صالحِ الجميعِ دونَ تَفرقةٍ أو تمييز. المواقفُ المُعلنَةُ لديها تُشكِّل ثابتًا يُمكنُ اختبارُه فى المُمارسةِ العمليَّة، فلن تجد تناقضًا بين قولٍ وفعل، ولن تسمعَ منها دعوةً إلى توتُّر، ولن تُصادِفَ رسالةً ساخنةً إلَّا من أجل تهدئةِ مَوقفٍ مُحتدم. وبطبيعةِ الحال لن تجدَ انحيازًا لطرفٍ، ولا عداءً جذريًّا لآخر. ربَّما لهذا تُحافظُ مصر على علاقاتٍ مُستقرَّةٍ مع الجميع، حتى من يُناصبونها العداءَ سرًّا وجَهرًا!

بالنَّظرِ إلى الموقفِ الرَّاهن. تبدو المساحةُ غائمةً نسبيًّا بين الولايات المتحدة، وروسيا والصِّين فى جانبٍ مُقابل. علاقاتُ القاهرة وواشنطن تشهد استقرارًا استثنائيًّا بالقياس على رهانات أطرافٍ بالدَّاخلِ والخارج بشأن إدارة "بايدن" وموقفِها من مصر، وبالمثلِ لدينا اتِّصالٌ وثيقٌ مع حُلفاء البيت الأبيض من مراكز أوروبا البارزة وفى حلف الأطلسى وخارجه، وتزدهرُ الروابطُ السياسيَّةُ والتجاريَّةُ مع موسكو وبكين. تتحرَّكُ مصر بخفَّةٍ ظاهرةٍ بين أقطابٍ مُتصارعة، وتُؤسِّسُ حركتَها على استقلالٍ واضحٍ عن الاستقطاب، وأداءٍ نزيه تُعزِّزه الخطاباتُ والنَّوايا المُعلنَةُ وسوابقُ المواقفِ والاختبارات. الإدارةُ المصريَّةُ لم تَرهن إرادتَها لقاءَ منافع حاليةٍ أو فواتير مُؤجَّلة، ومن غير المُتوقَّع أن ينجحَ فصيلٌ فى استمالتِها، أو يحاولَ ذلك أصلاً، ما يعنى أنَّنا - بإدراكٍ واعٍ ورُؤيةٍ راسخةٍ - نتَّخذُ مسارًا باردًا داخل نفقٍ مُلتهب، كأنَّه إحياءٌ لخطِّ "عدم الانحياز" بما يُلائمُ صيغةَ الصِّراعِ الجديدة وما قد يطرأُ عليها من تبدُّلٍ فى التَّحالفاتِ ودوائرِ الاشتباك!

زيارةُ الرئيس السيسى الأخيرةُ للصين يُمكنُ قراءتُها فى هذا السياقِ. بينما قاطعت الولاياتُ المُتَّحدةُ أولمبياد بكين الشتويَّةَ دُبلوماسيًّا، وربَّما مارست ضُغوطًا على حُلفاء آخرين أعلنوا الموقفَ نفسَه، تتحرَّكُ القاهرةُ خطوةً باتِّجاه بكين، لا تُؤكِّدُ من خلالِها متانة العلاقاتِ واستراتيجيّتَها مع الدَّولةِ الصينيَّةِ فقط، وإنَّما تُترجمُ عمليًّا فلسفةَ النأىِ عن التَّجاذُبِ والصِّراعات، وتجدِّدُ إخلاصَها لمبادئها ودوائرِ عملِها المُحدَّدةِ وفقَ رُؤيةٍ وطنيَّة، بعيدًا عن مواقفِ الآخرين من الأصدقاء وما قد يُثير ضيقَهم. لم تعُد أوراقُ اللُعبةِ فى يَدِ واشنطن كما اقتنعنا وعِشنا منذ خمسةِ عُقود، ولن نُسلِّمَ الأوراقَ لغيرها أيضًا. أوراقُنا نقبضُ عليها ونُديرُها بالطريقةِ التى تضمن منفعتنَا ولا تجورُ على مصالحِ الآخرين. يُمكنُ إجراءُ هذا القانون على كُلِّ الملفَّات: فى شَرق المُتوسِّط، وفى أفريقيا، والشَّرقِ العربى، وعلى امتداد خريطةِ العلاقات الخارجيَّة. تضعُ القاهرةُ قانونَها وتلتزمُ به، ولأنَّه عادلٌ وصِيْغَ بعنايةٍ لا تشغلُ بالَها بالخُصومِ ولا بمنصَّةِ التَّقاضى أو من يجلسُ عليها!

عاد الرئيسُ بعد ثلاثةِ أيَّامٍ. كانت الزيارة الثامنة للصِّين، بما يضعها فى المرتبةِ الأُولى بين الزياراتِ خارجَ المنطقة العربية. تاريخيًّا لدى البلدين روابطُ لا يُمكنُ إغفالُها، فمن جانبٍ هما وريثا الحضارتين الأعرق بالعالم، فضلاً عن أن القاهرة كانت أوَّل بلدٍ عربىِّ وأفريقى يعترفُ بجمهوريَّة الصين الشعبية، ودعمت الأخيرةُ مصرَ فى تحريرِ أرضها بالعام 1973، وجمعتهما حركةُ عدم الانحياز منذ مطلع ستينيَّات القرنِ الماضى. اقتصاديًّا تُمثِّل القاهرةُ واحدًا من أبرز الشُّركاء الإقليميِّين لـ"بكين" بالمنطقة، إذا استثنينا الصادرات البترولية من بعض الدُّول، فضلاً عن شراكةٍ استثماريَّةٍ مهمَّةٍ فى محورِ قناة السويس وتوطين صناعاتٍ تقنيَّةٍ مُتقدِّمةٍ مثل السيارات الكهربائية وغير ذلك. لكنَّ أهمَّ محاورِ الاتِّصال أنَّ مصرَ مُرتكزٌ أساسىٌّ ضمن خطَّة الحِزام والطريق، وتُمثِّل قائدًا إقليميًّا قادرًا على دَفعِ المشروعِ للأمام، بالتعاون مع الشُّركاءِ بالجامعة العربية والرُّباعى العربى ومحورِ الشام الجديد، وكذلك فإنَّها بوَّابةُ أفريقيا ورأسُ مُثلَّثها مع العرب وحوض المتوسَّط، بينما تتطلَّعُ الصِّينُ لانتزاعِ موطئ قَدمٍ بالمنطقةِ إلى جانب الغريم الأمريكى والحليف الروسى، وإلى تَوسعةِ حُضورها ولَعبِ أدوارٍ أكبرَ بالقارَّة السمراء؛ صحيحٌ أنَّ لديها وجودًا ملموسًا حاليًا، لكن ما يُمكن أن تجنيه بالعبورِ من خلال القاهرةِ يُبشِّر بمُضاعفةِ فُرصِ النفاذِ إلى الملعبِ وتسريعِ وتيرةِ النشاطِ على رقعته!

أثبتت الصِّينُ من خلال افتتاح الأولمبياد الشتويَّةِ أنَّها قادرةٌ على مُناورةِ الضُّغوطِ الأمريكية. حضر قادةُ اثنين وعشرين بلدًا إلى جانب وجوهٍ دوليَّةٍ عديدة، بينما لم يزد حُضور الأُولمبياد الصيفيَّةِ بالعام الماضى عن خمس عشر مُمثِّلاً. كانت فى الأمرِ رسالةٌ بأنَّ مُقاطعةَ واشنطن وحُلفائها لا تُشكِّل ضغطًا مُعوِّقًا، وأنَّ لدى "بكين" ما يكفى لرفضِ الغطرسةِ والقَفز على القيود. تصبحُ الدلالةُ أعمقَ بالنَّظرِ إلى الحرب التجارية بين البلدين بالعام 2018، وعُبور الصِّينِ للغابةِ التى أشعلتها إدارةُ "ترامب" دونَ توقُّفٍ أو احتراق. احتفاءُ القيادةِ الصينيَّة بالحُضورِ عزَّز الأثرَ وحملَ رسائلَ سياسيَّةً مُباشرة، لا سيَّما فى قمَّةِ الرئيسين شى جين بينج ونظيره الروسى فلاديمير بوتين، وما حملته من إشاراتٍ واضحةٍ إلى الضِّيق من حالةِ المنظومةِ الدوليَّةِ بوضعِها القائم، وانفلات "ناتو" ومساعيه للتمدُّدِ مُغطّيًا تطلُّعاتِ "واشنطن" بلافتةِ الحِلف. وكانت مُباحثات "السيسى وبينج" محلَّ اهتمامٍ واسعٍ فى البُروتوكول والتغطية، إذ أبرزت "شينخوا" مُحتوى المُداولاتِ وما تضمَّنته من توافُقاتٍ بشأن التنمية والاستقرار، وتحدَّثت عن الشَّراكة الاستراتيجيَّةِ وما أُعلنَ بشأن "المُستقبل المُشترك للعَصْر الجديد". ورغم أنَّ الرئيس المُضِيفَ التقى أغلب القادَةِ الحُضور، فإنَّ التركيزَ الأكبرَ فى مُعالجةِ اللقاءاتِ إعلاميًّا كان من نصيب ترويكا الصين وروسيا ومصر. يرتبط الأمر باحتدامِ الحالةِ بين موسكو وواشنطن، ودخول بكين على الخطِّ فى مُواجهةِ الهيمنةِ الأمريكية، ووضعية القاهرة ووزنِها الإقليمىِّ الحاكم فى ملفَّات المنطقةِ الساخنة.

لعلَّ خُطواتِ "روسيا" مُثقلةٌ إلى الآن بميراثٍ قديم. يرى الكرملين أنَّه وريثُ الإمبراطوريَّة السوفيتيَّة، ولديه وفقَ اعتقادِه مجالٌ حيوىٌّ إن لم يُوفَّق فى استعادتِه؛ فإنَّ الآخرين مُلزمون على الأقلِّ بعدم التمدُّد فيه أو التغوَّلِ على استحقاقاتٍ يراها ثابتةً ومقطوعًا بها. لسنا فى مقامِ الحديثِ عن تعقيداتِ الوضعِ فى دُول الكومنولث الروسى، ولا تاريخ المواجهةِ مع جورجيا وأوكرانيا؛ لكن ما يعنينا فى ذلك أن لدى "موسكو" حساباتٍ تتَّصلُ بالجغرافيا، وهو أمرٌ لا يتوافر فى حالةِ الصِّين. ليست لدى "بكين" تطلُّعات للتمدُّد الجُغرافى ببسطِ الولايةِ وفقَ صيغةٍ استعماريَّةٍ ظاهرةٍ أو ضِمنيَّةٍ عبر وكلاء ومُوالين، ربَّما اختار التِّنَين الآسيوى الناهضُ أن يعبُرَ الجُغرافيا بالاقتصاد، وهو طموحٌ مشروعٌ ومسارٌ لا يُصادرُ حُقوقَ الآخرين أو فُرصَهم العادلة. "واشنطن" تُكيِّفُ من القانون ما يخدم صراعَها مع العِملاقِ الصَّاعد سريعِ النموِّ؛ خوفًا من مرحلةٍ يكونُ قادرًا فيها على التهام كعكتِها، أو التهامِها شخصيًّا. وفى المُقابلِ يرى المُتضرِّرون من هذا التَّكييف أن القانونَ أوسعُ من ذلك بكثيرٍ، وأعمقُ من تصوُّرات البيت الأبيضِ عنه، وأنه يُنتهَكُ لصالحِ الغربِ منذ الحربِ العالميَّةِ وما تلتها من مُواجهاتٍ باردة. لسنا مُضطرِّين إلى تبنِّى أحد الرأيين؛ وقد لا يُفضى اختلافُهما إلى تغييرٍ حاسمٍ؛ لكنَّه كافٍ لتجميدِ الأوضاعِ إلى حين تبدُّلِ موازين القوى، وامتلاكِ طرفٍ قُدرةَ الإطاحةِ بالخَصم من حلبةِ الصِّراع. والنظرُ فى مُنحنى القوَّة بمفهومها الشَّاملِ قد يكونُ فى صالح الصِّين خلال العقودِ المُقبلة!

تبدو مُشكلةُ الصِّين مع الصيغةِ الدَّوليَّةِ القائمة، فيما يخصُّ الوصايةَ ومُحاولات الهيمنةِ وتسخيرُ النِّظامِ بكاملِه لصالحِ أحد أطرافه. مصرُ من جانبِها تعملُ وفقَ رُؤيةٍ داعمةٍ للعملِ المُشتركِ على أرضيَّةٍ من التكافؤ والمُساواة. هذا التجاوب والانسجام فى المواقفِ المبدئيَّةِ يدفعُ فى اتِّجاه نمو العلاقات المصريَّة الصينيَّة؛ وبينهما من اعتبارات السياسةِ ما يُضاعف أثر الشراكة الاقتصادية المُتنامية. نجحت "بكين" فى أن تكونَ شريكًا عضويًّا للفُرقاء كُلٍّ على حِدَة، حتى أنَّ ميزانَها التِّجارى مع خَصمِها اللدود "واشنطن" يُقارب نصف التريليون دولار ويميلُ لصالحها بأكثر من مائتى مليار. ربَّما لا يكون تحالفها مع "موسكو" استراتيجيًّا دائمًا، وينحصرُ فى ملفًّاتٍ بعينِها أو لأوقاتٍ مُحدَّدةٍ؛ ولعلّ الولايات المتَّحدة تنقلُ معركتها إلى المُحيط الهندىِّ وتحاولُ تحييدَ روسيا لحين الخلاصِ من الصِّينِ حسب تصوُّرها، لكنَّ نفاذَ الأخيرةِ إلى موقعٍ فاعلٍ ضمنَ اقتصادِ كُلِّ بلدٍ صديقٍ أو مُخاصمٍ، والشِّروخ التى تضربُ التحالفَ الأمريكى مع انحسارٍ لأدواره فى ساحاتٍ خارجيَّةٍ عدَّة، وبوادر تمرُّدٍ من الشريكِ الأوروبىِّ فضلاً عن روابطِه الوطيدةِ بالخصومِ أنفسِهم، وإدارة واشنطن للصِّراع بمنطقِ الحربِ الباردةِ؛ كُلُّها ربَّما تتضافرُ معًا لتجعلَ مهمَّةَ الإطاحةِ بتنِّين آسيا خارجَ الصُّورةِ، أو تعويقِه عن الانفرادِ المُؤجَّل بها، من قبيلِ الأملِ المُستحيل. ويبقى الرِّهان على كفاءة الحركةِ فى حقلِ الألغامِ، وعلى طُولِ النَّفَسِ وقُدرة امتصاصِ الصَّدمات!

خلقت القاهرةُ توازُنَها الحسَّاسَ فى العلاقات الدوليَّةِ، وتدفعُ فى اتِّجاهِ أن يستقيمَ ميزانُ المنظومةِ وينضبطَ وفقَ مبادئ حاكمة، أعلاها سِيادةُ القانونِ وما يتوافقُ عليها أعضاءُ المُجتمع الدولى، وقلبُها تسييجُ الرَّوابطِ والتحالفات بأُطرٍ عادلةٍ تصونُ السِّلمَ وتدعمُ الاستقرارَ وتضعُ مصالحَ كُلِّ الأطرافِ على قدمِ المُساواة. أداةُ "القاهرة" فى ذلك تحرُّكٌ محسوبٌ فى كُلِّ الملفَّات لا يميلُ إلى جانبٍ ضد آخر، وهو أمرٌ يتلاقى مع رغبةِ الصِّين - على الأقل فى المرحلةِ الحالية - لأن تنفكَّ الوصايةُ الموروثةُ، وتنفتحَ ساحةُ العالمِ لمُنافسةٍ وفقَ قواعد مُستقيمةٍ وعادلة. لا يُمكنُ قِراءةُ ما ستؤولُ إليه الأُمورُ قريبًا أو فى المدى البعيد، لكن ما يتشكَّلُ فى أُفق العالمِ الآن مُبشِّرٌ على صعيدِ الخُروجِ من حقبةِ الهَيمنةِ المُنفردة، إلى سياقٍ تعلو فيه الدبلوماسيِّةُ ذات الوجهِ الواحد، واللعبُ الصَّريحُ على أرضٍ مستويةٍ ومكشوفةٍ للجميع.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة